مشكلات ثقافة الأطفال، وأبرز تحدياتها الراهنة

من أهمِّ عوائق ثقافة الأطفال،‏ ومشكلاتها، في مجتمعاتنا، أنها لا تزال تعاني - في الأعمِّ الأغلب - من انخفاض مستوى نوعية المنتج الثقافي، والأدبي، كمَّاً ونوعاً. وأن معظمَ الأشكال الثقافية المقدّمة للطفل، لا تزالُ ترزح تحت وطأة التنظير والتأديب، تكرِّس ثقافة الذاكرة، وتُغيِّب ثقافة الإبداع، وما زلنا - كآباء ومربين - نمارسُ الخطابية والإنشائية في أساليبنا الثقافية، و‏نعتمد التوجيه المباشر في معظم القنوات التي نتوجَّه بها لأطفالنا. من الأسباب الأخرى، وهي كثيرةٌ ومتعدّدة: أن المكتبة العربية لا تزال فقيرةً جداً بنتاجات فنون أدب الأطفال عموماً، وتعاني نقصاً كبيراً في كلّ ما يتعلّق بالطفولة. كما لا زالت تجاربنا في ميدان هذا الجنس الأدبي - الذي قطعت فيه الشعوب أشواطاً كبيرة - 
محدودة للغاية، حتى في إطار الترجمة.

تحتاج ثقافة الطفل إلى إدراك وإرادة واعية بأهمية اعتمادها كمشروع حضاري مستدام، تُجنى ثماره مستقبلاً، ذلك من خلال: تضافر جهود الأطراف المعنية بتثقيف الطفل، بما يرفع سويّة ما يقدَّم ويوجَّه له. ثم تنشيط المؤسسات المتخصِّصة بثقافة الأطفال، بهدف خلق حركة فاعلة على جميع الأصعدة، واعتماد معايير سليمة، تسعى لتطوير أدواتها ووسائلها، وترتقي بها باستمرار. إضافة إلى الحاجة إلى التوظيف الفعّال للتقنيات الحديثة، خدمةً لهذا المشروع، وتصميم برامج ثقافية وتربوية وتعليمية، تراعي بيئة الطفل، وقيم مجتمعه. كما ينبغي الاهتمام الحقيقي بأدب الأطفال بأنواعه، وتشجيع العمل في مضماره، وخلق الإرادات القادرة على اعتماده كمنهج أساس في العمل الثقافي عموماً، من خلال: تشجيع الأدباء والكتّاب العاملين في هذا الحقل، وتوفير حوافز معنوية ومادية تحثُّهم على التفرُّغ للكتابة. وتشجيع الدراسات النقدية الجادَّة، التي تشتغل وفقاً للمعايير التربوية والنفسية والفنية الحديثة لأدب الأطفال، وتقديم حوافز لأصحاب الأعمال المتميّزة منها، ودعم الأبحاث التي تتناول سيكولوجيا شخصية الطفل، بهدف إنتاج أدب يلائم خصوصية الطفولة، ويساير طبيعتها. والاستفادة من التجارب العالمية، والسعي للتعرُّف على الجديد من الدراسات والأعمال. وتشجيع الترجمة في مجال أدب الأطفال، واختيار نماذج ذات طابع جيد. واستغلال الأدب الشعبـي - كمصدر مهم لهذا النوع من الأدب - والاعتراف بدور التراث في ربط الطفل بثقافته، واستلهام الملائم منه بعد تنقيحه، وبثِّ الروح الجديدة فيه، والاهتمام بجوانبه الأُخرى غير الحكايات، كالأقاصيص، والأمثال، والأحاجي الشعبية، وغيرها. ودعم الإصدارات في حقل هذا الأدب، وتشجيع الدوريات الثقافيّة، لإصدار أعداد خاصة تتناول أدب الطفولة، أو ملحقات لها تتوجَّه للأطفال.. ذلك بما يحقّق خطواتٍ توصِلُنا لمستوى مناسب في هذا المجال، يُوازي أهميّة مرحلة الطفولة، ويُلبـِّي متطلباتها، على مختلف الأصعدة.
عبد المجيد إبراهيم- مجلة الحوار

نشر هذا المقال في صفحات المرصد الثقافي في وسائل التواصل الإجتماعي بتاريخ19 يوليو 2017 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي