الفعاليات الثقافية في سلطنة عمان: واقع وطموحات

كيف يبدو واقع الفعاليات الثقافية في السلطنة من منظور الجمهور؟ وإلى أي مدى يتسق هذا المنظور مع ما يراه القائمون على المؤسسات الثقافية؟ نتعرف على عينة من الآراء في هذا السياق عبر هذا التحقيق
تعبر شيماء العبدلي عن رأيها في مجمل الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية المقامة في السلطنة قائلةً أنها قليلة بشكل عام وتقام في مواسم معينة فقط؛ تزامناً مع معرض الكتاب مثلاً، ومع ذلك لا تجد في هذه الفعاليات الفائدة المرجوة، فثمة أمور معينة تجد بأنه ينبغي أن تتوفر في الفعاليات الثقافية والفنية لتؤدي الغرض من إقامتها وهي العناية بجودة المضمون الفكري والفني للفعاليات، وزيادة الترويج لها بحيث يعلم الجمهور عنها قبل إقامتها بمدة ليتسنى لهم الحضور، وتقترح شيماء استضافة شخصيات أدبية و فنيّة لها شهرة في الوسط العربي فذلك يساعد على التسويق لهذه الفعاليّات ويضيف قيمة معتبرة لها
أما أمجد سعيد فيقول بأن حضوره للفعاليات الثقافية عامةً نادر؛ لذلك لا يمكنه الحكم التام على مستوى هذه الفعاليات، لكن الندوات والمحاضرات التي حضرها كانت تفتقر للشفافية والموضوعية حسب تعبيره، فحمّى الظهور والمجاملات تتسيد هذه المواقف في الغالب، ولاسيما في الاحتفاءات و تدشين بعض الاعمال والمشاريع، عدا عن كون البعض يتعمد إضفاء سمة الغموض على ما يطرحه لترك انطباع معين لدى الحاضرين. أما عما ينبغي توفره في الفعاليات الثقافية والفنية فهو الموضوعية، والاشتغال الحقيقي واللامركزيه في قيام هذه الفعاليات على سبيل المثال تقام أغلب الفعاليات في العاصمة مسقط وهذا لا يتناسب مع أوضاع الكثيرين
في حين ترى هالة الريامي أن عدد الفعاليات الثقافية قد ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ، سواءً تلك التي تنظمها المؤسسات الثقافية في السلطنة أو الأفراد والمبادرات المجتمعيَّة. وبالمجمل تظن بأن هذه الفعاليات تخطو نحو الوفرة ذات الجودة وإن كان غالبيَّتها متركز في العاصمة ومنظماً من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية في مسقط.من ناحية أخرى أظن أن غالبية الفعاليات خاصةً المقامة من قبل المؤسسات الثقافية لا تخرج من كونها فعاليات موجهة للمثقفين أنفسهم فهي منهم وإليهم وبالتالي قلة الفعاليات الثقافية الموجهة للعامة
وتعتقد هالة أن اختيار المحتوى (الشخصيات المستضافة / المادة المعروضة …) لأي فعالية موجهة للمجتمع يأتي على درجة أولى من الأهمية كما وينبغي الاهتمام بمكان تقديم الفعالية (أما وأن يجلس المثقف على كرسيه العاجي منتظراً أن يصل إليه الجمهور فهذا ما قد يسبب حاجزاً كبيراً بين الاثنين)، كما وأظن على وجه الخصوص أن حسن الإعلان للفعاليات بشكل مبكر مع مراعاة المواعيد المقامة فيها والمكان هي أحد أهم ركائز نجاح أي فعالية، وما نفتقده اليوم هو سوء تخطيط بعض الفعاليات مع سوء الإعلان وتمركز الفعاليات في أمكنة بعينها.كما يجب التفكير بطريقة الإخراج كركيزة جذب مع تنويع وسائل العرض لإحياء المعرفة بشتى الطرق الغير جامدة
من زاوية أخرى، يحدثنا خلفان الزيدي أمين سر الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عن أهداف الفعاليات الثقافية التي تقيمها الجمعية،  فيقول
الفعاليات الثقافية الأدبية والفكرية التي تقيمها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في العموم هي جزء من الأهداف التي قامت عليها الجمعية ، والمنطلق الذي تسهم فيه الجمعية في خدمة المشهد الثقافي العُماني ، وتنوير المجتمع والتعريف بالمثقف والكاتب العُماني ، ولذلك عند التخطيط لأي فعالية أو نشاط تقيمه الجمعية ، فإن الأساس الأًول الذي يتم وضعه هو مدى توافق هذه الفعالية مع أهداف وتوجهات ومجال نشاط وعمل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ، وما يمكن أن تضيفه لمسيرة عمل الجمعية ، و ما تلبيه من الاحتياجات الثقافية أعضاء الجمعية والمهتمين بالشأن الثقافي في السلطنة 

الأمر الآخر الذي علينا أن نعرفه عن الفعاليات المقامة في الجمعية أنها تأتي من عدة أوجه ، فهناك الفعاليات التي تعكف الجمعية على تنظيمها بعد مجلس ادارتها او أعضائها أو أي من المهتمين بالثقافة ، ويتم التخطيط لهذه الفعالية بعد الموافقة عليها من إدارة الجمعية كاملة من قبل الجمعية ، وعندما تجد الجمعية أن مثل هذه الفعاليات تحظى بالجماهيرية والإقبال فأنها تخطط لمثلها في الفترات القادمة ، كما هو الحاصل مع بعض المؤتمرات والندوات والقراءات التي أقامتها الجمعية والتي وجدت حضورا جيدا ، فتم تنظيم نسخ ثانية منها: مؤتمرات الفكر ، والتطرف والمثقف والسلطة وغيرها من الفعاليات الفكرية .
وهناك فعاليات اخرى تقام بالشراكة بين مؤسسات ثقافية والجمعية ، ويكون اقتراح هذه الفعاليات بالشراكة بين الجمعية وهذه الجهات ، وفِي بعض الأحيان تقدم هذه الجهات تصورا كاملا للفعالية للجمعية بالعناوين والمشاركين وحتى توقيت إقامة الفعالية ، وتكون الجمعية شريكا في التنظيم وتحمل الاعباء المادية لهذه الفعالية ، كما هو الحاصل مع بعض الندوات النقدية التي تقام بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس ، أو تنفيذا لاتفاقيات تعاون مع جهات ثقافية داخل السلطنة وخارجها ، كما حصل مع فعالية التوأمة بين مدينتي صور العمانية ومدينة صور اللبنانية ، وثمة فعاليات أخرى تقررها لجان الجمعية المختلفة كلجنة الفكر ولجنة الشعر ولجنة الفلسفة ولجنة التراث المادي ولجنة التاريخ ، وهذه اللجان تقدم تصوراتها الكاملة الفعاليات التي تنوي أقامتها ، ومن ثم تقوم الجمعية بمتابعة تنظيمها وتحمل 
مصاريفها مع هذه اللجان 

وعن قياس رضا الجمهور بعد الفعاليات المقامة فيعتقد الزيدي بأنه أمر مهم ، ولكن لا يطبق بشكل عملي في الجمعية ، بمعنى لا يوجد استبيان خاص يضع الجمهور عليه انطباعه عن الفعالية ومدى رضاه عنها والملاحظات التي لديه حول هذه الفعالية ، وما اذا كان يمنحها درجة معينة من الرضا والقبول 
لكن القياس يأتي من خلال الانطباعات الشفوية ، والأصداء المتفرقة في مواقع التواصل الاجتماعي ، ومدى التجارب مع الفعالية حين أقامتها وعدد الحضور والانطباعات المباشرة بعد الفعالية والتي تقال شفويا ، أو حتى عبر الرسائل النصية ورسائل الواتساب ، ويحدث كثيرا ان تصلنا ردود طيبة حول بعض الفعاليات . الأمر الذي يدفع إدارة الجمعية الى مواصلة إقامة مثل هذه الفعاليات 
و حول قياس الجودة ، يقول الزيدي أنه ينبغي في البدء معرفة أن فعاليات الجمعية متنوعة الاتجاهات والمجالات ، بمعنى انها لا تحتكر نفسها في اتجاه واحد ، فهناك المؤتمرات والندوات الفكرية والأدبية "المحكمة" التي يشارك فيها أساتذة ومفكرين وأسماء مرموقة في عالم الفكر والأدب بعضهم من خارج السلطنة،وهناك القراءات الأدبية البسيطة التي تعنى بالأخذ بيد المواهب والإبداعات الشبابية وهي تلتمس أولى خطواتها في طريق الإبداع ، الجمعية معنية بإقامة هذه الفعالية وتلك، ولكن كما هو الحال في قياس رضا الجمهور ، لا يوجد آلية علمية وقياس دقيق لجودة هذه الفعالية اللهم إلا من خلال اجتهادات اعضاء الجمعية أو الحضور عبر الأصداء التي تصل إلى إدارة الجمعية بعد كل فعالية تقام .. وفِي كثير من الأحيان لا تكون هناك أي ردود فعل .. ومع ذلك تستمر الجمعية في إقامة فعاليات مشابهة لها انطلاقا من دورها وأهدافها في خدمة المشهد الثقافي بصفته العمومية 
سألنا الزيدي عن رأيه في الفكرة الشائعة التي تتردد في أذهان البعض وهي أن فعاليات المؤسسات الثقافية هي فعاليات نخبوية بالدرجة الأولى، فقال: لا اعرف حقيقة سبب رسوخ هذه الفكرة في أذهان البعض ، ولكن أجزم أن الحكم على فعاليات المؤسسات الثقافية بـ "النخبوية" مردها إلى الحكم على الثقافة بشكل عام أنها للنخبة وليست للعامة ، وأن المثقف كائن نخبوي ، يتعاطى المواضيع الحياتية بزاوية تختلف عن العامة ، ولهذا نجد أن أي مجلة أو مطبوعة ذات صبغة "ثقافية" محدودة التوزيع والانتشار بعكس لو كانت "اجتماعية" أو "ترفيهية" أو "فنية"، ولذلك اعود للقول أن الحكم هنا حكما معلبا ، وعلى المؤسسات الثقافية مهمة تغيير هذه الفكرة ، واثبات ان فعالياتها تتوجه للجميع وليس لفئة دون أخرى
على سبيل المثال عندما تجري برمجة فعاليات الجمعية نراعي تنوع اهتمامات الجمهور وتغطية اكثر المجالات والاتجاهات الادبية والفكرية ، ولذا نجد أن الكل حاضرا في هذه الفعاليات من الالقاء الشعري والنص القصصي والنقد الروائي والقراءة الفكرية والاحتفاء بالإصدارات وغيرها، وهي أمور نعتقد أننا لم نهمل فيها أي جانب أدبي وفكري يقع في نطاق اهتمامات الجمعية وتوجهاتها 

وسألناه أخيراً عن استراتيجيات الإعلان التي تتبعها جمعية الكتاب والأدباء للترويج لفعالياتها الثقافية فقال
أولا، يكون الترويج قبل فترة كافية ، ليخطط من شاء الحضور برنامجه على ذلك، الأمر الثاني أننا نسعى أن نصل بالاعلان عن الفعالية إلى جميع المهتمين والى جمهور عريض قد يجد البعض منهم أنه معني بهذا النشاط ، وعليه أن يحضره ، فيما عدا النشر في مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ، تذهب رسائل إلى هواتف الكثير من المهتمين من اعضاء الجمعية وغيرهم ، وتعلمون كيف تتناقل مثل هذه الرسائل سواء عبر رسائل الواتساب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، أيضا نقوم بالنشر عن الفعالية عبر الصحف ، وايضا يكون النشر قبل وقت كافي ، ونعتقد أن من أراد أن يعلم عن أي فعالية فباستطاعته إدراك ذلك


نشر هذا التحقيق بتاريخ 30 يوليو 2017 في صفحات المرصد الثقافي في مواقع التواصل الإجتماعي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي