في حوار خاص مع المرصد الثقافي (1)، هدى حمد: كثيرٌ من النقاد ليس لديهم ما يرشقون به الكاتبة سوى زجّ كتابتها في كبسولة "النسوية"
هدى حمد في حوار خاص للمرصد الثقافي: كثيرٌ من النقاد ليس لديهم ما يرشقون به الكاتبة سوى زجّ كتابتها في كبسولة النسوية
(الجزء الأول)
||
- القراءة نافذة شاسعة تتغير انعكاسات الألوان والملامح عليها بمرور الزمن وتراكم التجارب. كيف تصفين علاقتك بالقراءة اليوم؟ وما هي العناوين التي أثرت فيكِ مؤخراً؟
ربما يبدأ الأدبُ والفن من منطقة لا واعية غالبا. منطقة تتشبثُ بقين تام بشياطين الكتابة المُلهمة، ولكننا بالتأكيد لن ندخل إلى ليل دواخنا المُظلم -كما يصفه سارتر- دون أن نُروض وحوشه الضارية ونُسكتُ نهم الأسئلة الشرسة. وأظن إزاء اضطرابات مُستمرة ومُلحة من هذا النوع، يمكن للقراءة وحدها أن تفعل شيئا مُغايرا ومُغامرا أيضا على صعيد الكتابة. وأعني على وجه التحديد تلك القراءة التي لا تقتصر على إدخال المتعة والبهجة في النفس وزيارة المناطق الأكثر عذوبة وحسب، أو لدفع الحزن كما يقول مونتسيكو: "لم يصبني حزن إلا وانتشلتني منه القراءة"، وإنّما تلك القراءة التي تُعيد تفكيك الكتابة بوصفها أداة يمكن الاشتغال عليها واختبارها لمرّات عديدة
القراءة ليست على سجية واحدة غالبا فهي مُتغيرة وذلك رهن للزمن رهن للذائقة وللخبرة التي نختزنها في دواخلنا. إنّ أحدنا قد يمقتُ كتابا ما في زمن ما ثم ما يلبثُ أن يستعذبه كما يمكن أن يحصل العكس تماما أيضا. وعليه وأثناء الكتابة نحن لا اراديا نستدعي تلك الخبرات التي تتكثف فينا لنُعيد انتاجها بطريقة أو بأخرى. فالقراءة هي التغذية المُستمرة لروح نصوصنا. أما العناوين التي أثرت بي فهي كثيرة ولا تُحصى ولا يمكنني أن أذكر أحدها فأنسى الآخر في هذه العجالة. فأنا-إن صح القول- في عملية هضم مستمرة
||
- ما رأيك بالمسابقات الأدبية كمعيار لتصنيف التجارب الأدبية؟ وما الذي أضافته إليك مشاركاتك فيها؟
* المسابقات والجوائز ببعديها النفسي والمادي هي جواز مرور وضوء ساطع عبَر خلاله الكثير من الكُتاب والأسماء التي ربما كانت ستبقى مغمورة لولا هذه الفُرص القليلة. خصوصا في بلدان تُصنف على أنّها هامش إزاء مركزية دول أخرى. لكن من جهة أخرى هذا لا يعني أنّ الجوائز على حق دائما، فالأمر لا يخلو من تحيزات ذوقية
بالنسبة لي، لقد جربتُ أن أكون مُتسابقة كما جربتُ أن أكون ضمن لجنة تحكيم أيضا. وكان الفوز محطة ضرورية لكي أقف قليلا، وأراجع نفسي في كل ما كتبت، ولكي أفكر مليا بالمسافة التي قطعتها، وماذا ينبغي الآن أن أفعل، وكيف أقود خطواتي إلى الطريق التي أراها صالحة وخصبة للكتابة
الجوائز هامّة للكاتب وللعمل الأدبي حيث تُعطيه زخما وحضورا، وهذا بالتأكيد –كما قلتُ سابقا-لا ينفي الحروب الخفية والحسابات الكثيرة خلف كواليس الجوائز، وبعضها ربما لا علاقة له من قريب أو بعيد بالنزاهة. لكن يبقى أنّ أفضل ما قد تُقدمه الجوائز للكاتب إلى جوار المبالغ المالية، هو التسويق الجيد ولفت أنظار النقاد والقراء إلى الكُتاب
||
- ما رأيك بمسألة الأشكال الأدبية؟ وهل ينبغي بالضرورة تطويع النص ليتخذ شكلاً قابلاً للتسمية برأيك؟
انشغلتُ كثيرا بموضوع الشكل، بل إني كتبتُ مقالا حول ذلك نشرته في مجلة الدوحة: فهنالك من يتمسك بالشكل الذي يُدرسُ في المدارس، وقلّما يقبلُ المُغامرة في الكتابة خارج "الشكل" المُعتاد، بل إنّ الناقد نفسه قد يُقلل من شأن العمل المكتوب، لأنّ عقله لا يقبل أي محاولة لكسر سُلطة الشكل
من وجهة نظري، ينبغي السماح للأفكار والأشكال الكتابية أن تخرج وأن لا تقمع من مبدأ أنّ لها أشكال مُختلفة عمّا يُظن بها أو يراد لها. لاحقا يمكنها أن تجد ما يستدعي أسباب البقاء أو الفناء، "إنهم بلا شك مُعرضون لأن يضلوا الطريق، ولكنه ضلال فريد من نوعه" كما يقول كونديرا، فعندما رسم بيكاسو لوحته التكعيبية الأولى كان في سن السادسة والعشرين، وانضم إليه شباب من مثل عمره ، بينما –من وجهة نظر كونديرا- لم يكن لرجل في الستين أن يفعل، لأن حرية الشباب وحرية العجوز تنتميان إلى قارتين لا تلتقيان. ولهذا يجرؤ الشباب على تغيير الشكل أكثر مما قد يفعل الكبار أصحاب القوالب الجاهزة ووجهات النظر الراسخة غير القابلة للانقلاب عليها. ولكن بيكاسو صار عجوزا أيضا، وعرف أنّ الطريق لا تسير إلى الأمام وحسب، يمكن أن تذهب إلى الأعلى وإلى الأسفل اليمين واليسار، إلى كل الاتجاهات الممكنة
"علاقتنا بالأشكال علاقة تنهضُ على المحاكاة كما هو حال الغرام مثلا، فلو لم تدعُنا نماذج الغرام للاقتداء بها منذ طفولتنا، هل كنا سنعرف ما يعنيه الحب؟"، على الأقل هل كنا سنعيه خارج الشكل المطروح الآن؟. أظن أنّ هذه الإشارة الذكية التي ذهب إليها كونديرا يمكن أن تُفسر علاقتنا بكل شيء حول اقتدائنا المستمر بالنماذج الجاهزة.
||
- وصف عدد من النقّاد روايتك الأخيرة "سندريلات مسقط" بأنها "رواية نسوية". ما هو انطباعك حول ذلك؟ وما هو موقفك من مصطلح "الأدب النسوي" إجمالاً؟
*عندما اكتبُ عملا أدبيا أفكرُ غالبا في صدق الشخصيات والإدهاش والإمتاع وخلق المفارقات والألاعيب السردية، أكثر مما قد أفكر في الانتصار لقضايا المرأة ومُعالجتها. لأني أظن بأنّ مهمة الكاتب الأسمى هي أن يبقى في منطقة الإبداع، لأن الكاتب لو تلوث بالقضايا الكبيرة سينتج خطابا مُؤدلجا شبيها بكل شيء عدا الإبداع
نعم المرأة وهواجسها ومخاوفها تأخذُ حيزا شاسعا من كتاباتي، فهي أكثر ما أعرف في هذه الحياة وأكثر ما اختبر، وبالتالي حضورها هو انعكاس لهذه الخبرة اليومية
عندما يُكتشف النص من قبل القراء والنُقاد، بالتأكيد ستشتغل منطقة التأويل لتُحيل التفاصيل إلى مناطق أجهلها ولستُ معنية بها غالبا، ولكن أن لا يُنظر إلى نص المرأة إلا من مجهر واحد وضيق اسمه "النسوية" ، وفي سياق تمييزي غالبا، فهذا أمر يُثير هلعي حقا
في كتاب رسائل إلى روائي شاب الذي كتبه يوسا وترجمه إلى العربية صالح علماني، إشارة إلى أنّ الطريقة التي تتجسّد بها القصة، هي التي تجعلها أصيلة أو مبتذلة، عميقة أو سطحية، مُعقدة أو بسيطة، وهي التي تمنح الشخصيات الكثافة، والغموض، والاحتمالية؛ أو تحوّلها إلى كاريكاتيرات بلا حياة، إلى دُمى يحرّكها مدبّر العرائس، فالموضوعات بحد ذاتها لا تفترض مُسبقًا أي شيء، لأنّها ستكون جيدة أو سيئة، جذابة أو مُملة، الأمر كله يعتمد على كيفية استخدام الروائي ل
لقد خرج العمل من يديّ، لقد مِتُّ حقا ككاتبة، ولستُ بصدد الدفاع عنه، ولكن هذه الجملة "النسوية" مُضجرة حقا، وتصيبني غالبا بالغثيان، وأجد كثيراً من المتحفزين و أغلب النقاد خصوصا، ليس لديهم ما يرشقون به "الكاتبة" قدر وضعها في كبسولة "النسوية"، رغم أننا ندرك أنّ الكتابة النسوية لا تعتمد على "الجندر"، ويمكن لأي "كاتب" أن يكون نسويا أيضا. كما ندرك أيضا أنّ النسوية ليست تهمة، ولكنها بالمقابل ليست مشروعي حتى وإن كانت أغلب بطلاتي من النساء، حتى لو كنتُ اصطاد التفاصيل بالغة الدقة والصغر لحياة النساء، فالعالم الذي أعي وأعرف هو عالم النساء، وكم أنا مأخوذة بهن ومغرمة بكل أشيائهن وقصصهن التي تُدار في الخفاء وتنمو في سياقات مُعتمة، و أعزمُ دوما على إخراجها للنور. لا يحدث ذلك بنوايا مُبطنة في الأخذ بيد المرأة والانتصار لها ضد العدو الأبدي الرجل، وذلك ببساطة لأني يوما لم افترض أنّه كذلك
تعليقات
إرسال تعليق