وائل رمضان .. تجليات الجمال بين شكلانية الحرف ومضمونه الروحي

وائل رمضان .. تجليات الجمال بين شكلانية الحرف ومضمونه الروحي
الدكتور قاسم الحسيني / العراق




إن التشكيل الفني لا يقف بحدود موضوعات الرسم او النحت او الخزف او العمارة او التصميم الداخلي او غيره من الموضوعات التي تأخذ المعالجات المألوفة تقنياً ، بل تذهب الى ابعد من ذلك من خلال إمكانية توظيف الحرف العربي بتشكيلات جديدة نابعة من مقدرة الفنان على توظيف منظومته التخيلية ليخرج عن القواعد الكلاسيكية التقليدية التي تجعل الحرف يتسم بالنظام والقانون الذي ينتمي لطبيعة (الخط العربي) كالنسخ او الثلث او الكوفي، وهنا تمكن الفنان (وائل رمضان) على تجسيد خطابات تشكيلية تعد نصوص بصرية يكون فيها الحرف مصاغا بشكل جمالي يتراقص في فضاء السطح البصري وفق علاماتية منفتحة على صياغات حرة بأشكالها بغية تجاوز النمطية في القواعد، إنه يعمل على تقويض سلطة المرجعيات التي ترتبط بالحرف ويجعل هناك هوية متفردة بأسلوب معالجاتي وتصميمي خاص بالفنان ذاته وكأنه يريد أن يعمل أسلوب خاص به وفق رؤيته الفنية التي تختلف من عمل الى آخر
إن الفنان يجعل من نتاجاته الحروفية تنتمي الى لغة الفن المعاصر ، فالمتأمل لهذه النتاجات يشعر بالتماهي معها من خلال الموسيقى التصميمية التي تظهرها الأشكال الحروفية، فكل حرف لا ينفصل عن الآخر وفق ترابط كلي وشمولي سيما قدرة الفنان على وضع سلسلة من التصميمات الحروفية تتوسم حضورا جماليا للكلمة المقدسة ممثلة بـ(البسملة) التي وصلت الى ( 100 ) عملا فنيا ، يقول الفنان (وائل) : الحرف العربي عبارة عن وحدة زخرفية تتيح للفنان إخراجه بشكل يليق به بشرط أن لا يتعدى على مفهومه القرائي ، ويمكن الاستنباط من أساسيات شكله المتعارف عليه مجموعة من التصميمات الجمالية كما موضح في المائة بسملة 
لذا إن كل نص حروفي بصري يحمل طاقة استطيقية لا متناهية شكلا ومضمونا ؛ بوصف إن كل حرف له من الأبعاد الروحية ما يجعله يتسامى على شكلانيته ، فبالرغم من هدف الحرف في إيصال المفاهيم باعتباره هدفا لغويا خالصا ، إلا انه يحمل غاية روحانية كامنة في بواطنه، والفنان (وائل) استطاع أن يدرك تماما بحسه الفني إمكانية الحرف وفق البناء الهندسي أو الشكلاني على التكيف مع أي تصميم جمالي ليمنحه معنى باطني يتسامى على المعنى اللغوي. إن نصوصه الحروفية باستطيقاها تمتزج بين المرئي واللامرئي، بين سيميائية
اللغوي والمعطى الجمالي، إنه يبحث عن تماهيات اللامتناهي طبقا وتجليات شوقه نحو جماليات المطلق


تم نشره في صفحات المرصد الثقافي بتاريخ13سبتمبر2017

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في المجموعة الشعريّة مقامات لام وضمة ميم للدكتور محمد الشحي

صورة
  د. محمود حمد بيت الزبير- 23/9/2024         الشعر صوت الذات الحساسة من الاتصال بما لا يكون في تداولات الخطاب وتبادله، رسمٌ باللغة وتلوين بمفارقاتها، وحين تقف الذوات أمام تحوّلات العالم بكوامنها مصطدمة بما لا تفهمه مما صنعه العلم وشكّلته عمليّات البشريّة الصناعيّة والعلميّة؛ تلجأ إلى طفولتها المؤجلة لكل حقبة زمنيّة في الفنون عامّة وفي الشعر خاصّة، تشير إليزابيث درو إلى طاقة الشعر في أنّ شقاء الإنسان يرجع إلى إدراكه بإن الذات حبيسة؛ تتبدّد طاقتها الحيويّة عبثا في صراع داخليّ يعبّر عنه الشاعر في عمل أدبيّ خالد؛ ترى درو بأنّه فكّ قيده مؤقّتا وبارح محبسَه ولو إلى حين؛ لأن عمليّة الخلق انطلاقٌ وإن بقيت إنسانيّته ضحيّة تناقضاته الداخليّة، وما تعنيه هي بالتناقضات هي مادة الخلق نفسها من جهة ثانية، فالفن بكلّ أشكاله لا يمكن أن يتمّ بالتصالح الذي يدّعي بعض ملامحه الفن الواقعيّ؛ لأن المواجهة التي يمكن أنْ تفهم من محاولة الخروج من القيد هي فعل الخلود الذي يحققه الفن الإنسانيّ.    لماذا الشعر من بين الفنون، لعلّ استثماره لمادّة التواصل اللفظي اليوميّ ف...
قراءة المزيد

المُطرب البحَّار سالم راشد الصوري: فنان صوت من عُمان

صورة
بقلم رولف كيليوس || اشتهر سالم راشد الصوري، مغني الصَّوت وعازف العُود العُماني، بلقب "المطرب البحَّار"، كما اشتهر لتطويره لونًا موسيقيًا فريدًا مُستوحى من مصادر موسيقية متعددة في الشرق الأوسط والهند ولم يستطع شيء أن يثنيه عن الغناء حتى تهديد أخيه له بسلاح في إحدى المواقف. فقد رفضت عائلة سالم بشدة انخراطه في مجال الموسيقى، مما دفعه إلى الإبحار بعيدًا، فسافر مع السفن التجارية إلى موانئ عديدة في شرق إفريقيا والهند وفي أنحاء الشرق الأوسط ويمكن اعتبار الأسلوب الذي طورّه الصوري خلال أسفاره بمثابة بوتقة جمع فيها الخليط الثقافي والتاريخ الطويل للتجارة عبر الخليج والمحيط الهندي ماذا عن تأثير سالم راشد الصوري على الساحة الموسيقية للخليج؟ من خلال تسجيلاته الموسيقية وشهادات أبنائه، يمكننا نسج خيوط قصته الشيقة وفهم كيف وصل إلى مكانته على الساحة الفنية || صور وصوت الخليج وُلد المغني وعازف العُود سالم راشد الصوري (١٩١٠/١٢-١٩٧٩) ومات في مدينة صور بعُمان، ولكنه قضى معظم حياته في الهند والبحرين والكويت ومع أنه بدأ بغناء الميدان، وهو لونٌ من الشعر الغنائي المعروف في ...
قراءة المزيد

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي

  حاورتها: أسماء القطيبي      زمزم البلوشي، شابة عمانية متعددة المواهب ؛  فبالإضافة للحنجرة الذهبية التي تملكها والتي صقلتها بالدراسة والممارسة، تملك زمزم حضورا جميلا على المسرح وعبر شاشات التلفزيون. تعد زمزم البلوشي عضوا فعالا في مركز عمان للموسيقى التقليدية كونها تركز حاليا على غناء اللون التراثي وهو ما فتح لها الباب لمشاركات محلية وخليجية.  المرصد الثقافي حاور الفنانة زمزم البلوشي للتعرف عليها وعلى خططها وتوجهاتها المستقبلية في مجالات الفنون المختلفة.       في البداية حدثينا عن بدايات اكتشاف الموهبة لدى زمزم البلوشي.  بدايتي كانت في المدرسة من خلال مشاركاتي في الطابور الصباحي، وتلقيت  تشجيعا طيبا  لله الحمد من المحيطين المدرسي والعائلي كوني أنتمي لعائلة محبه للفن وكانت الموسيقى حاضرة في اجتماعاتنا ورحلاتنا العائلية، وكل إخوتي عازفون متخصصون متمكنون ساعدوني  –  وما زالوا  - في اختيار الأغاني المناسبة لخامة صوتي.    هل تفكرين في الاتجاه لألوان أخرى من الغناء غير الغناء التقليدي؟  ...
قراءة المزيد