فلسفة الأنانية: ماذا نخسر حين نهدر حبنا على العالم؟
___________________
«أُقسم بحياتي وحبي لها أني لن أعيش من أجل شخص آخر، ولن أدع شخصًا آخر يعيش من أجلي». ربما يكون هذا الاقتباس قاسيًا قليلًا، لكنه معبر بالفعل عن الفلسفة وراء واحدة من أكثر الروايات تأثيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية: «أطلس متململًا»
لنعرف كيف تؤثر الرواية في المجتمع الأمريكي، ربما نذكر أن الرئيس دونالد ترامب أكد بنفسه أنه من محبي «آين راند» مؤلفة «أطلس متململًا». كذلك، قال وزير الخارجية الحالي «ركس تليرسون» إن الرواية هي كتابه المفضل، وأشار «بول راين»، رئيس مجلس النواب المنتمي إلى الحزب الجمهوري، إلى أن راند كان لها أكبر تأثير في حياته وفكره، ثم تراجع عن التصريح بعد ذلك نظرًا لعدم المودة بينها وبين والأديان، مما يضر بقاعدته الشعبية المحافِظة
آين راند كاتبة الرواية، الفيلسوفة والروائية التي توفيت عام 1982، كانت من أهم مناصري اتجاه اليمين الليبرتاري، الذي يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن الحريات الفردية واقتصاد السوق حتى النهاية
راند، روسية الأصل التي هاجرت من بلادها بعد الثورة الشيوعية ومصادرة ممتلكات والدها، تُؤسس فلسفتها على مهاجمة نزعة «الغيرية» و«الميل إلى مساعدة الآخرين»، وترى أن الصحيح والحقيقي أن يحب كلٌّ منا نفسه ويعمل من أجل تنميتها، والآخرون عليهم فعل المثل، أن يهتموا بأنفسهم، وبذلك ينشأ لدينا مجتمع سليم دون خرافات أو أكاذيب جميلة
تستند راند في فلسفتها إلى العقل، وسمَّت فلسفتها «الموضوعانية»، وترفض الفلسفات التي تعتقد أن الواقع يصعب فهمه أو معرفته، كفلسفة «إيمانويل كانط» الذي تصفه بـ«الوحش»
تهاجم المؤلفة الأمريكية الروسية الفنون التجريدية التي توحي بوجود شيء غامض في الدنيا، وترى أن «الموضوعانية» في مقابل «الذات» شيء واضح ومصدر للحقيقة، وأننا لسنا في حاجة إلى الذات في شيء، وتهاجم فكرة أن المشاعر هي الوسيلة الأصدق نحو الحقيقة، وتعتقد بدلًا من ذلك أن العقل هو الشيء الوحيد الذي يمكِّننا من معرفة ما يحيط بنا، ومن التعامل معه بأفضل طريقة
تدعو فلسفة راند إلى إلغاء الحكومات، وترك الشركات والأفراد يعملون ويتنافسون في ما بينهم داخل المجتمع، ومن خلال تنافس الشركات ومشروعات الأفراد سنصل إلى الخير الأسمى، وهو تحرير الأفراد من أجل عيش حياتهم إلى أقصى طاقاتهم وإمكانياتهم، وترى أن النظام الشيوعي أو الغيري يجعل كل واحد منا عبدًا للآخر
لكن رغم محاولاتها للتنظير للفردية، فإن راند لا تستطيع الخروج من الإطار الذهني العام الذي تنتقده، أي حب الخير للجميع، فهي حين تقول إن الخير هو ترك كل فرد يشق حياته بنفسه ويصل إلى أعلى مستوى من التحقق. في روايتها «أطلس متململًا»، سيكون الخلاص على أيدي من يطمحون إلى تحقيق ذواتهم، ضد هؤلاء الذين يتكلمون باسم المصلحة العامة لكنهم يفسدون كل شيء
إذًا ففلسفتها تهتم بمصلحة الآخرين لكنها تختلف فقط في الوسيلة، إذًا ليست «الفردانية» كل شيء. وأنانيتها أنانية تكتيكية، لأنها تبررها بالمنفعة العامة المؤجلة، وهو مأزق أي فكر أناني، أنه لا يستطيع تقديم نفسه للجميع إلا بأنه لمصلحة الجميع، حتى لو كان ذلك ضد اتساقه هو نفسه منطقيًّا
________________
.
.
.
تم نشره في صفحات المرصد الثقافي بتاريخ 1 نوفمبر 2017
تعليقات
إرسال تعليق