سخرية فولتير تهزم أعداء التنوير
__________________
النقد الساخر سمة تغلب على طابع النقد في العصر الحديث، سواءً كان هذا النقد بنَّاءً أو هدَّاماً، وهذا الأسلوب في النقد ليس خاصَّاً بعصرنا هذا، وإنما هو قديم قِدم الفلسفة ذاتها، حيث كان (سقراط) يستخدم أسلوب السخرية أو التهكم في حواره مع تلاميذه وذلك من خلال إثارة الشكوك حول الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي يؤمن بها غالبية الأفراد أو المجتمع بهدف ايصالهم للحقيقة، إلا أن أشهر من ارتبط اسمه بالنقد الساخر هو الفيلسوف الفرنسي (فولتير)، والذي يُعد أشهر شخصية في عصر التنوير
حيث يقول نيتشه عن (فولتير
لا بد للأسود الساخرة من أن تجيء، وجاء (فولتير) فأذل الطغاة بسخريته
ولم يكن (فولتير) يدع السخرية إلا عندما يتعلق الأمر بحياة الإنسان وكرامته وحريته، وخصوصاً عندما يكون ذلك كله باسم الدين! وما كانت رسالته (اسحقوا العار) إلا نتيجة الظلم ممَّن يدَّعون أنهم يقودون الناس للحق والنجاة وأنهم موكَّلون من الله بحفظ الدين
ويُشاع عند الكثيرين بأن (فولتير) كان ملحداً! وهو في حقيقة الأمر لم يكن كذلك، فنجده يقو
لو لم يكن الله موجوداً لوجب اختراعه، إلا أن الطبيعة بكاملها تدعونا قائلةً إنه موجود
ويبدو لي أن (فولتير) لم يكن ضد الدين كجانب روحي مهم في حياة الإنسان، ومعظم ما صدر منه من أقوال قد يعتقد البعض أنها ضد الدين، لم تكن ضد الدين بقدر ما هي ضد أفكار من يعتقدون أنهم هم من يمثِّل الدين ويتحدَّثون باسم الله
فنجده يقول معلِّقاً على أفعال رجال الدين المسيحي، الكهنة والرهبان
إنهم الكهنة الذين يعيشون على كدكم وتعبكم في راحة وكسل، ويثرون على حساب كدحكم وبؤسكم، ويتنافسون على شراء الذمم واقتناء العبيد، ويوحون لكم بالتعصب المذموم، ليتمكَّنوا من سيادتكم والسيطرة عليكم، وينشرون بينكم الخرافات والأساطير ليس من أجل أن تخافوا من الله بل لكي تخافوهم
ويُعذر (فولتير) في مهاجمته لرجال الدين المسيحي في تلك الحقبة الزمنية، حيث قد وجد ممثليها لصوص في هيئة قديسين! إلا أنه استطاع بقلمه تعريتهم وبيان جهلهم وتوضيح حقيقتهم القائمة على خداع الناس واستغلالهم من خلال الدين
فولتير بسيط في إنسانيته، عميق في فكره، أبت فطرته السليمة الانقياد والانصياع لأوامر اللصوص والدجالين كما انقاد الكثير من القطيع في زمانه، قادته تلك الفطرة إلى التسليم والإيمان بوجود إله واحد لا شريك له، استمد إيمانه ومعرفته بالخالق من خلال فطرته السليمة وعقله المستنير، لم يستمد إيمانه من رجال الدين كما فعل الكثير في زمانه ويفعل الكثير في زماننا ه
وفي كل حقبة زمنية سيكون هناك (فولتير) وسيكون هناك أعداء للتنوير، ورغم كل تلك الصعوبات والظروف التي تعرَّض لها (فولتير)، إلا أنه انتصر في النهاية، وخلَّد التاريخ اسمه، إلى درجة أن عصر التنوير ارتبط باسمه
بقوة الإرادة تتحقَّق المعجزات، وإلا فهل يُعقل أن رجل واحد بسخريته وقلمه استطاع أن يغيِّر أوروبا بأكملها
نجح (فولتير) في تحقيق رسالته لأنه صاحب مبادئ وليس صاحب انفعالات تتشكَّل وتتغيَّر بتغير الظروف، نجح (فولتير) في تبديد الخرافة والجهل لأنه خاطب الجماهير بلغة العقل والمنطق لا بلغة العواطف والمشاعر، فيلسوف أحبه البسطاء والعامة قبل النخبة والصفوة، أحبه الفقراء والاغنياء على السواء، أحبوه لأنهم عرفوا حقيقته المتمثِّلة في تجرده عن ذاته وإرادته الحقيقية في الإصلاح وايمانه بالمبادئ التي انطلق منها ومات وهو مؤمن بها ولم يتنازل عن واحدة منها
_______________
خالد آل تركي -ساقية
http://www.saqya.com/%D8%B3%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81…/
.
.
.
تم نشره في صفحات المرصد الثقافي بتاريخ 8أكتوبر 2017
تعليقات
إرسال تعليق