أنا أشاهد إذًا أنا موجود: فيلم يطرح أسئلة فلسفية غير متوقعة

إذا افترضنا أنك كنت في العراق وقت الحرب على الكويت، أيُّ صفٍّ كنت لتأخذ؟ الدولة التي تعيش فيها أم المعتدَى عليها؟ وإذا تعرضت لخطر أنت وعائلتك، هل ستفكر في الهروب أولًا، أم تبحث عن أحبائك لحمايتهم؟
الإجابة صعبة بالتأكيد، لكن طالما أننا لسنا في قلب هذه المواقف سنرى أنفسنا على الأرجح نتخذ الجانب البطولي
هذه المواقف الصعبة تحديدًا هي ما يحاول فيلم
Force Majeure
طرحه، كما يرى أستاذ الفلسفة البريطاني جوليان باجيني
الأحداث العشوائية تقع وليس هناك من يمكن لومه عليها، لكن طريقة استجابتنا لها ليست عشوائية
الفيلم يدور حول أسرة ذهبت للاستمتاع بالتزلج في جبال الألب، وبينما يتناول أفرادها عشاءهم في شرفة الفندق يقع انهيار جليدي يعزلهم عن العالم. الأب أول من يفشل في الاختبار، إذ يقرر الهروب وترك أسرته تعاني. لاحقًا، يحاول بقية أفراد الأسرة التماس العذر له، ربما لأنه في مثل هذه الظروف يبحث كلٌّ عن نفسه، وربما لا يعي الشخص خلالها تصرفاته، لكن هذا يبقى مجرد تبرير، وتبقى وجهة نظر الفيلسوف أرسطو أن ما فعله الأب يوضح بشكل قوي ملامح شخصيته

في نظر أرسطو، نحن لا نملك دائمًا وقتًا كافيًا للتفكير ثم اتخاذ أفضل القرارات، ولهذا فهؤلاء الذين يُقدمون على أفعال جيدة هم بالفعل جيدون من الداخل، أو تدربوا على فعل الأشياء الجيدة لفترات طويلة حتى وصلوا إلى مرحلة تصبح معها ردود أفعالهم جيدة بشكل تلقائي، وحينها ستصبح الخيارات الجيدة هي ما يقدمونه حال وقوعهم في الخطر
ربما يرى بعضنا أن الأب قرر الهرب وحده بسبب غريزة البقاء، لكن الحقيقة أنه فعل هذا لأنه يحب نفسه، وكذلك هاتفه المحمول، أكثر ممَّا يحب عائلته، وهذا يمكن ملاحظته من تفاصيل الحياة اليومية المتناثرة خلال الفيلم. على سبيل المثال، نرى زوجته في مشهد قبل الحادث تسأله من الحمام إن كان يتابع هاتفه فيخبرها كاذبًا أنه لا يفعل، وهو أمر ليس بجريمة بالتأكيد، إلا أن أرسطو له رأي آخر
يعتقد الفيلسوف اليوناني أن هذه الكذبة البسيطة ما هي إلا قطعة صغيرة في بناء مكوَّن من كذبات مشابهة، تُسهم في تشكيل السلوك الجبان والأناني للشخصية، ففي كل مرة يفضل الأب الكذب بشأن هاتفه يصير أكثر تمركزًا حول نفسه
يؤكد لنا فيلم «Force Majeure» ما قاله أرسطو، من أن الأحداث غير المتوقعة والعشوائية تقع وليس هناك من يمكن لومه على وقوعها، لكن طريقة استجابتنا لهذه الأحداث ليست عشوائية، لهذا فمسؤوليتنا عن أكاذيبنا تقع على عاتقنا مباشرةً
___________
 https://manshoor.com/art/6-movies-on-philosophy/
https://www.youtube.com/watch?v=fjjzVbTBF8o#action=share


.
.
.


تم نشره في صفحات المرصد الثقافي بتاريخ 15أكتوبر 2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في المجموعة الشعريّة مقامات لام وضمة ميم للدكتور محمد الشحي

المُطرب البحَّار سالم راشد الصوري: فنان صوت من عُمان

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي