هل تساعدنا الفلسفة في زمن الكورونا؟



غير وارد: قد يغيب الفلاسفة عن الخطوط الأمامية في مكافحة وباء كوفيد 19 لكن هذا لا يعني أنه ليس لهم أي دور.



1صور غيتي|IStockphoto



دائمًا ما تكون هناك أٌقوال مأثورة لكل مناسبة وحدث، والقليل من الفلسفة الرواقية قد تتناسب مع الوضع الحالي. حيث يقول الفيلسوف الرواقي سينيكا: "كُف عن القلق بشأن الأمور التي تفوق طاقاتك، إن الله قد أعطانا السكينة لتَقبُل ما لا نستطيع تغييره، والقوة لما نستطيع تغييره، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما."

تطرح الأزمة التي يمر بها العالم، أسئلة سياسية، وأخلاقية ووجودية، فكيف يمكن للفلسفة أن تقدم المساعدة في ساعة الحاجة هذه؟

وبدوره، يطرح عمود "غير وارد" في صحيفة The Irish Times مجموعة من الأسئلة على عدد من المفكرين النشطين.


شارلوت بليس
فيلسوفة إيرلندية، وباحثة متعددة التخصصات، مركز ديكونس الطبي، كلية الطب بجامعة هارفرد، بوسطن.
"وسط حالة الخوف والذعر بسبب الوباء، لا ننكر وجود العدد القليل من الفلاسفة في المشهد العالمي، لأنهم من أكثر المجموعات الاجتماعية التي تمارس العزلة الذاتية."
" لا يمكن للفلاسفة إيجاد العلاج."
بسبب النزعة النوعية التي تميز بها الفلاسفة الأكاديميون برفع أيديهم عن جُل مواضيع العالم  شاعت عنهم سمعة السذاجة المزمنة،  لكن الفلسفة كحشرة غير مرئية تغزو وتؤثر على ما حولها خلسة؛ فقد أثّرت الفلسفة بالفعل على القرارات والممارسات المتخذة في مكافحة كوفيد19، وهنا تساؤلات تمثل ذلك:
بموارد طبية محدودة، من سننقذ؟ ولماذا؟ ما هي مسؤوليات المنظمات الصحية تجاه الفرق الطبية؟ وما مسؤوليات الأطباء تجاه عائلاتهم؟ كيف نوزع المساعدات المالية؟ من هو الخبير في الأزمة؟ ولماذا؟ ما الذي يشكل دليلًا على صياغة شكل الفيروس الجديد؟ وهل من المقبول تتبع انتشار الوباء بالبيانات الشخصية من الأجهزة الإلكترونية؟
نعم لا يستطيع الفلاسفة تقديم العلاج، لكن الفلسفة تعمل بشكل أفضل في العلاقة المتبادلة بين الأدلة ووقائع العالم الحقيقية. جرعة من الفلسفة بين الأطباء والعلماء وموظفي الخدمة المدنية، قد توفر مناعة وحصانة ضد القرارت السياسية المتسرعة وقرارات الرعاية الصحية والشخصية، نعم إلى هذا الحد قد تصنع الفلسفة فارقًا حقيقيًا."

د.فيتوريو بوفاتشي
قسم الفلسفة، جامعة كورك.
"هناك نقاش هام في نظرية المعرفة الاجتماعية فيما يتعلق بأدلة الخبراء ومدى الثقة بالأمورالمرتبطة بأزمة كوفيد19: كيف يمكن للأشخاص العاديين تقييم شهادة الخبراء وتحديد أي من هؤلاء الخبراء المتنافسين أكثر مصداقية.
إن ثقتنا تجاه الخبراء تعد ثقة من المستوى الثاني، أي أننا نثق بالخبراء لأن أشخاصا آخرين نثق بهم يثقون بهؤلاء الخبراء المعنيين: نعني حكوماتنا.
لكن ثقتنا بالسياسيين لا تشبه ثقتنا بالعلماء، لأن هذه ليست المرة الأولى التي يشوه ويتلاعب فيها السياسيون بنصائح الخبراء لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية، إذن بمن نثق؟
إليك إجابة محتملة: إن الدرس الفلسفي الأكثر أهمية يمكننا أن نتعلمه الآن من هذه الأزمة. لكل شخص مسؤولية أخلاقية لفعل ما هو صحيح بغض النظر إن كان توجيهًا من الحكومة أم لا. وإن قسم أبقراط الطبي(أولًا، لا تؤذي)،  لا يقتصر الآن على المؤسسة الطبية وحدها، إنه مبدأ أخلاقي علينا جميعًا اتباعه قدر الإمكان، حتى وإن كلفنا ذلك خسائر مادية."

سكوت إم كليري
فيلسوفة وكاتبة، ومحررة كتاب "كيف تعيش حياة جيدة" مع ماسومي بيلوتشي و دانيال كوفمان.
"بالنسبة للكثيرين، هذا الوباء هو نوع جديد من الغموض، والقلق بشأنه أمر مفهوم: فقد تضررت ملايين الأرواح بشكل مفاجيء، وأدت هذه الأزمة إلى تفشي التضليل والجحود والنكران، وازدياد الخسائر البشرية. ويمكن لفلسفة سيمون دي بوفوار أن تساعد في ذلك، حيث إنها تشير إلى أن الوجود الإنساني يعني العيش في الغموض. والحل ليس في إزالة الشك والوصول إلى اليقين، وإنما في الاعتراف به كشرط للوجود.
وبالرغم من أننا جميعًا معزولون في الحجر الصحي، إلا أنه من المفيد معرفة أننا جميعًا نواجه هذه الحالة الإنسانية معًا، ونتشارك المسؤولية اتجاه بعضنا البعض. ورفضنا العمل لمنع انتشار الفيروس يجعلنا مسؤولين عن تفاقم الوضع، ليس على الآخرين فقط ولكن على أنفسنا أيضًا، لأن عافيتنا جميعًا تعتمد على مدى ترابطنا معًا.
حتى وإن لم نُصب بالعدوى، فإن هذا الوباء يؤثر على سير حياتنا، وعلى أولئك الذين نُحِب، وعلى الارتباط، والعمل والصحة الجسدية والعقلية، كلها أمور تتأثر بالأزمة.
تصف بوفوار الإنسانية كالحجارة التي تُكوّن قوسا. كلما كانت هذه الحجارة قوية كان القوس أكثر صلابة، ومتى ما جعل هذا الوباء قوسنا ضعيفًا نستطيع تقويته بالسخاء والعطاء ورعاية الضعيف، وبدعم أحدنا الآخر."

بول أوغرادي
رئيس قسم الفلسفة، كلية ترينتي، دبلن.
" إن سقراط مشهور بمقولته "إن الحياة دون ابتلاء لا تستحق العيش" وقد تكون هذه مقولة مبالغ فيها بعض الشيء وبعيدة قليلًا عن الواقع. والتساؤل لدى سقراط لم يكن مجرد مهمة أكاديمية، وإنما أمر أساسي للعيش الكريم، أراد أن يعرف من خلاله ما هو الأمر القيم، وما هو المهم، وكيف يحيا الإنسان حياة جيدة؟ وما الذي ينبغي فعله؟
إن أدوات التفكير والوعي الذاتي تصبح داعمة حينما تكثر التغيرات حولنا. سألني مرة أحد طلبتي ما  إذا كان جميع الفلاسفة كئيبين، فسألته عن سبب سؤاله هذا وأجاب: " يحدث كل هذا الاجترارحينما نكون محبَطين فقط." والتساؤلات الوجودية تحدث في أوقات الأزمات كالأزمة الحالية.
إن إدراك الفرق بين ما هو مهم وغير مهم يُشكل استجابتنا للظروف المختلفة، وامتلاك منظورنا الخاص للأمور والقدرة على إعادة تقييم الاحتياجات الحقيقية، واستخدام مداركنا العلمية كالتشكيك في المعلومات واختبار صحتها، كلها أمور داعمة تساعد على تخطي الأزمات.
لقد وجد سقراط شجاعته في أسلوب حياته الفلسفي، فالفلسفة ليست مجموعة من المعارف وإنما هي تساؤلات عقلية، هي حُب الحكمة، وهي وسيلة لربط العقل بالعواطف بهدف العيش والموت بشكل جيد."




كتبه: جو همفريز، صحيفة The Irish Times
ترجمة: فاخرة يحيى



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي