البودكاست.. الإذاعة التي تختار فيها برامجك

كتب: أسماء القطيبي

البودكاست أو "البث الصوتي" ، واحد من وسائط الإعلام الرقمي الجديدة، وهو باختصار بث سماعي عبر الإنترنت، يتيح للمستخدم مجموعة واسعة من القنوات التي يديرها أفراد أو مؤسسات وتقدم محتويات منوعة ومتخصصة، ثقافية، واجتماعية، وترفيهية، وتقنية وغيرها. وظهر البودكاست لأول مرة عام 2005 عندما قامت إحدى شركات الهواتف المعروفة بدعمه عبر تطبيقها الصوتي، وهو ما جعله ينتشر بسرعة كبيرة حول العالم. وتشير إحصائيات هذا العام إلى أن عدد قنوات البودكاست حول العالم تقارب المليون، وتشارك بأكثر من 28 مليون حلقة عبر منصات صوتية عدة. ويأتي سماع البودكاست في المنزل (غالبا أثناء القيام بأمور المنزل كالتنظيف) في المرتبة الأولى لدى المستخدمين، بينما سماع البودكاست أثناء قيادة السيارة في المرتبة الثانية وفقا لمسوحات شملت عدة دول.

البودكاست والإذاعة
بينما يتحدث الكثيرون عن تأثير وسائل الإعلام الجديدة على شبيهاتها وسائل الإعلام القديمة، يبدو التدوين الصوتي صورة محسنة من الإذاعة التقليدية؛ فهو مثلا يتيح التخصصية في المحتوى؛ فمحب التكنولوجيا مثلا لن يتوقف عند محتوى له علاقة بالأمومة أو بالأدب، بينما تسعى الإذاعات التقليدية لإرضاء كافة الأذواق لشريحة كبيرة من الناس وهي معادلة صعبة إن لم تكن مستحيلة. كما أن سهولة الوصول للبودكاست واختيار ما يهم المستمع من خلال الوصف الذي تتيحه التطبيقات يسهل على المستمع ويوفر عليه الجهد والوقت.
في تحقيق نشرته جريدة عمان في مايو 2016 عن وكالة الأنباء الفرنسية بعنوان "البودكاست وريث الراديو في المنطقة العربية" نُقلت الكثير من الآراء في هذا الجانب، حيث علقت إحدى المشاركات: "إننا نصبح أكثر انشغالا، نريد طرقا لمتابعة المحتوى كنشاط مواز، والبودكاست طريقة رائعة لتنمية ذاتك عند القيام بأمور أخرى كالقيادة والطبخ". بينما قالت أخرى: "لدينا في العالم العربي تقليد مذهل في سماع الإذاعة، وإذا فكّرنا بعمق في الراديو وتاريخه في العالم العربي، فإن البودكاست هو امتداد رقمي طبيعي لذلك."  
وحول أفضلية البودكاست، نشر موقع نون بوست في أكتوبر 2019 مقالا لرمزي تزدل، وهو أحد صانعي محتوى البودكاست، قال فيه: "علاقة البودكاست بالراديو كعلاقة يوتيوب بالتلفاز، يمكن القول إن البودكاست هو محتوى صوتي رقمي حسب الطلب... نعتقد أن البودكاست مكان رائع لرواية قصص أطول، وهو لاينافس الفيديو إنما يكمله ...إن استخدام الصوت فقط يتيح طرح مواضيع حساسة بسلاسة أكبر ويساعد في تحسين تجربة الإعداد والاستماع". هذا فضلا عن سهولة إنشاء قناة بث صوتي؛ فالإشتراك الشهري في الخوادم الأكثر شعبية لا يتجاوز عشرة ريالات، وهناك خيارات كثيرة في السوق فيما يتعلق بالناقل الصوتي وبرامج المونتاج؛ مما يجعل المعد الذي غالبا ما يكون هو المقدم نفسه يركز على المحتوى ويقضي الوقت الأكبر في تجهيز المادة واختيار الضيوف إن وجدوا.

البودكاست في عمان
يبدو أن التدوين الصوتي بدأ ينتشر شيئا فشيئا في عمان، وأصبح له رواد اكتسبوا شهرتهم من خلاله فقط، ففي استطلاع قام به المرصد الثقافي شمل أكثرمن خمسين شابا وشابة عمانيين من مستخدمي شبكة التواصل الإجتماعي أظهر أن حوالي 30% منهم استمعوا إلى بثَّين صوتيين على الأقل خلال السنة الماضية، وغالبا كان ذلك بينما يقودون السيارة. بينما يملك 43% منهم تطبيقات البث في هواتفهم الذكية. وأكد معظم من شارك في الاستطلاع على أن البودكاست بديل جيد للإذاعة، إلا أنهم غير متأكدين من مدى انتشار البودكاست وشعبيته في المجتمع العماني، وربما يعود هذا كما ذكر بعضهم إلى قلة القنوات التي يديرها شباب عمانيون يناقشون فيها مواضيع تهم المجتمع، مقارنة بصانعي المحتوى في السعودية مثلا. 
وحول ما إذا كان المشاركون يفكرون في إنشاء قنواتهم الخاصة على المنصة، قال كثير منهم إنهم غير متحمسين لذلك لما يتطلبه الأمر من توفير أدوات معينة، وخبرة في هذا العالم الذي لم يتعرفوا على خباياه بشكل كاف بعد.
ويبدو أن شعبية البودكاست تتنامى شيئا فشيئا في سلطنة عمان، فأرقام المهتمين في ازدياد، ولعل معرفتنا بأن بودكاست عماني حظي بما يتجاوز ربع مليون استماع أغلبها في سلطنة عمان يجعلنا نتفاءل بشأن تأثير البودكاست في السلطنة، ونعيد التفكير في مدى قوة الإعلام المسموع في الوقت الراهن. 

البودكاست... نظرة مستقبلية
يواجه البودكاست في الوقت الحالي العديد من التحديات، منها ضعف التمويل الذي يسمح بالتفرغ والاستمرارية، فبسبب ضعف التمويل من المؤسسات المهتمة بالشباب ونشر الثقافة يضطر كثير من صانعي المحتوى إلى التوقف، أو ربما يلجأون إلى الإعلانات المؤقتة وهي مصدر غير ثابت. كما أن كثرة الإعلانات تؤثرا سلبا على عدد المستمعين. كما يواجه صانعو المحتوى بعض التعقيدات التقنية المرتبطة بالشبكة العنكبوتية وجودة الصوت والمونتاج. لكن رغم كل هذه التحديات يبدو أن البودكاست هو مستقبل الإعلام المسموع، وتبدو الفرص التي يتيحها مغرية لأولئك الذين يودون إيصال أصواتهم، أو الحديث عن أمور تهمهم عبر الأثير. وعلى الجانب الآخر فإن البث الصوتي وسيلة فعالة للمؤسسات الثقافية لتقديم محتوى رصين ومشوق بتكلفة أقل وعدد مستفيدين أكثر. وربما هي مسألة وقت قبل أن يتصدر البودكاست قنوات البث المسموعة في العالم عامة والعالم العربي خاصة.  

المصادر:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي