كيف تعلم عصام البلوشي تسع لغات دون سفر؟




إذا ما قررت أن تتجول في العاصمة مسقط  ذات صباح شتوي جميل، بداية من الجامع الأكبر مرورا بالمتاحف في مدينة مسقط قبل أن تنتهي بمطرح، حيث يمكنك من كورنيشها الجميل مشاهدة السفن السياحية العملاقة وقد انتشر ركابها في سوق مطرح متأملين القطع التراثية والملبوسات التقليدية في تجربة معرفية أكثر منها شرائية، فإنك على الأغلب ستصادف عصام البلوشي، شابا عمانيا عشرينيا، يتحلق حوله مجموعة من السياح أغلبهم من كبار السن، يتحدث إليهم بلغة غريبة، ربما تكون الإسبانية أو لعلها الفرنسية أو ربما الألمانية. أيا كانت تلك اللغة فإن عصاما يبدو متمكنا منها، وبابتسامة عريضة يرد على الأسئلة المنهالة عليه من السياح المهتمين. إلى هنا يبدو الأمر عاديا لكن إذا ما اقتربت من عصام وعرفت أنه يجيد تسع لغات مختلفة دون أن يعبر حدود البلد الجوية فإن الفضول حتما سيجعلك تواصل الأسئلة حول قصته. المرصد الثقافي ألتقى _ عن بعد _ بعصام البلوشي وأجرى معه الحوار التالي:

من البداية، كيف يُعرّف عصام البلوشي بنفسه؟
** أنا شاب عماني من مواليد 1996، تخرجت من المدرسة الثانوية بنسبة جيدة والتحقت ببعثة دراسية حكومية في تخصص لم أجد نفسي فيه. غيرت تخصصي إلى الترجمة في إحدى الجامعات الخاصة. وحاليا أعمل بوظيفة مترجم بدار الأوبرا السلطانية بالإضافة إلى كوني مرشدا سياحيا معتمدا من وزارة السياحة. أجيد حاليا تسع لغات هي: العربية والإنجليزية والأسبانية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والفرنسية والبلوشية والهندية.

كيف تعلمت التسع لغات، وما هو الدافع الذي كان يحركك للاستمرار في التعلم بما يتطلبه من جهد وتركيز؟
** منذ طفولتي وأنا أتلمس شغف تعلم اللغات في نفسي، فكان يشدني سماع آخرين يتحدثون بلغة لا أفهمها، وأتتبع نطقهم كمن يكتشف كنزا ثمينا، وكنت أحب دروس اللغات في المدرسة، بل إن شغفي جعلني أتخلى عن فترة راحتي في الفسحة المدرسية لأعلّم أقراني اللغة الإنجليزية. كما أني أعشق التحدي في شتى المجالات، وكنت أغذيه بتحديات كرة القدم مع الأصدقاء لكنها لم تكن كافية. كانت رغبتي في تعلم اللغات واضحة لي منذ البداية، ولكني أذكر ذلك اليوم الذي شاهدت فيه شخصا يتحدث اللغة الفرنسية فتساءلت في نفسي..لم لا أفعلها؟

 كيف استطاع عصام البلوشي تعلم اللغات بينما كان مشغولا بدراسته، دون أن يلتحق بدورات تعليمية أو يسافر لأي من الدول التي تتحدث اللغات التي تعلمها.
** المسألة في تعلم اللغات هي في استبعاد المفاهيم الخاطئة في التعلم، فخلال سنتين فقط تمكنت من إتقان خمس لغات عن طريق ابتكار استراتيجية خاصة لكل لغة تناسبني شخصيا، فلم أكن مثلا أجهد نفسي بتعلم الكثير من الكلمات التي قد لا أحتاجها في التواصل اليومي، فالمهم عندي دائما هو معرفة تراكيب الجمل، دائما أسعى لابتكار طريقة تجمع بين الحفظ والاستماع ومماسة اللغة حتى ولو كانت عباراتي مليئة بالأخطاء الفادحة. كما أن تعلم اللغات جعلني أكتشف أن لكل منا وقتا ضائعا يتمثل في وقت قيادة السيارة أو وقت الانتظار فهذا الوقت بالنسبة لي وقت مفضل لتقوية لغتي.



ماهي أبرز التحديات التي واجهتك في رحلتك لتعلم اللغات؟
**على المستوى الشخصي واجهت تحديا كبيرا بعد أن اتخذت قراري بتغيير تخصصي، فكنت مضطرا للعمل في أعمال بسيطة وبساعات طويلة حتى أتمكن من دفع تكاليف دراستي في جامعة خاصة. مررت بأوقات صعبة ومتعبة جدا.هذا بالإضافة لعملي في مجال الإرشاد السياحي في العاصمة التي تبعد حوالي ساعتين عن الجامعة. كل هذا كان يسبب لي ضغطا كبيرا، ولكني ممتن حتى اليوم لكل الأساتذه الذين آمنوا بقدراتي وتعاونوا معي.
أما على مستوى التعلم فغالبا هناك وقت أشعر فيه أني فشلت في تعلم اللغة، ولكني أعرف يقينا أن هذا اليأس يعني أنني اقتربت من تحقيق الهدف، وأن هذا الشعور دفعة للأمام.

ماهو الحافز الذي يبقي شغف عصام في تعلم اللغات مستمرا؟
** تعلم اللغات فتح لي أبوابا كثيرة ما كنت أستطيع الولوج إليها، أحببت القراءة باللغات الأصلية خاصة في مجالات الأدب والتنمية البشرية. تعرفت على أشخاص رائعين من جميع دول العالم هم اليوم من أعز اصدقائي. أبقي نفسي دائما في بيئة محفزة، وأتواصل مع الناس الذين أتحدث بلغاتهم كلما أتيحت لي الفرصة سواء في الواقع أو في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إنني جربت اللعب عبر الإنترنت فقط ليتسنى لي الحديث المباشر وبالتالي أحافظ على لغتي مرنة ومُواكبة. كما أن اللغة تفتح أبوابا كثيرة للرزق والعمل.




هل  لديك خطط لتأسيس معهد تعلم لغات في السلطنة، لا سيما أن أعداد العمانيين في مجال الإرشاد السياحي ما زال قليلا.
**حاليا لا أفكر في إدارة معهد لتعليم اللغات، لكني أعمل على تدريس الشباب الراغبين عن بعد عن طريق البرامج المتاحة، وأفتخر بأن عددا لا بأس به من الشباب العمانيين تعلموا لغات مثل الإيطالية والأسبانية عن طريق هذه الدورات.

بالنسبة لمجال دراستك في الترجمة، هل يفكر عصام بترجمة كتب من لغاتها الأم إلى العربية.
**تراودني هذه الفكرة حينما يجذبني كتاب معين فأود نقله إلى العربية ليقرأه أكبر عدد من الناس، حدث هذا مؤخرا حين قرأت كتابا باللغة البرتغالية عنوانه (  (Seja Fodaأي كن إيجابيا، ولكن عموما لا أجد نفسي مترجما للكتب.

كيف أثرت جائحة كورونا عليك كونك تعمل في القطاع السياحي، وماهي توقعاتك للقطاع السياحي في المستقبل القريب؟  
**القطاع السياحي من أكثر القطاعات تأثرا  بالجائحة، ولأن نهاية جائحة كورونا ليست معروفة فأنا أتمنى من زملائي العاملين في القطاع السياحي إيجاد مصادر دخل بديلة حتى لا يقعوا في أزمات مالية. بالطبع ستنتهي جائحة كورونا وحينها أتوقع أن يكون الإقبال على السياحة كبير في السلطنة لأن الناس يرغبون في الاسترخاء والتمتع بالطبيعة الجميلة واستنشاق هواء نقي، وهو ما ستجده هنا في البلد الغالي عمان. 






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي