الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

 


يعد تجميع وتحرير مجلد مهمة شاقة دائمًا خاصةً حينما يتعلق موضوع المجلد بقضايا معاصرة ومتعددة التخصصات كصراعات الطلاب. في كتاب الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم الذي أبدع المحرران عزيز شودري وسليم فالي في تجميعه وتحريره، يجمع دراسات حول النشاط الجامعي، وهو قراءة أساسية لكل من يهمه التعليم العالي في العالم على مدى السنوات القليلة المنصرمة، وقد قيل وكُتب الكثير عن حركات العدالة الاجتماعية في الجامعات من كل أنحاء العالم لذلك يُعد استخلاص وتجميع الاختيارات المناسبة التي بُحث عنها من بين وابل من الأخبار والمقالات المزيفة مهمة كبيرة وشاقة لكنها ضرورية للغاية في هذه المرحلة.

على النطاق المجتمعي الأكبر، تأخذ الجامعة الكثير من المعاني المختلفة، حيث تُعد بمثابة ساحة تدريب للنخبة أو كمؤسسة لإعادة إنتاج مبادئ وثقافات القلة المهيمنة. وعلى نطاق آخر، يُنظر للجامعة على أنها منطلق للمعارضة والمقاومة والأفكار غير المألوفة. وقد تحولت الجامعات على مستوى العالم إلى مناطق للنضال، حيث استندت العديد من هذه النضالات إلى تواريخ أطول للمقاومة الشعبية والحركات الاجتماعية والرؤى الراديكالية لعالم أكثر عدلًا. هذا الكتاب عبارة عن تجميع لمثل هذه القصص وعن الارتباطات العميقة مع القادة والأبطال والنشطاء الاجتماعيين والمصلحين، في حين أن بعض الفصول عبارة عن سير ذاتية إثنوغرافية والبعض الآخر عبارة عن تحليلات تاريخية. ويعتمد أسلوب معظم هذه المقالات على الإطار النوعي للعلوم الاجتماعية وخصائص الحركات الاجتماعية والظروف الثقافية والاقتصادية والاتجاهات السياسية على أرض الواقع.

من الحركات الطلابية إلى اتحادات الموظفين، تقدم هذه المناقشات الاثنتي عشرة من اثنتي عشرة دولة أشكالًا متنوعة من طرق النضال من أجل تحقيق تعليم عام نقدي وجيد ويمكن الوصول إليه. ومثالًا على ذلك يقدم جيمي وودكوك في فصله نظرة من الداخل للحركة الطلابية في المملكة المتحدة، حيث يبحث في علم الأنساب الأخير للحركة الطلابية في القرن الحادي والعشرين وتوسع نطاق المعارف والمهارات، حيث يحدد الخلفيات المتنوعة للطلاب الذين يُنظمون النشاط الاجتماعي وكيفية تطبيقهم للمهارات المكتسبة أثناء مشاركتهم في الحركة في حياتهم المستقبلية. وعلى النطاق نفسه، تستكشف جولييت لو مازييه مخزون الإجراءات والاستراتيجيات المتاحة للطالب الفرنسي الذي يكافح على مدى فترة زمنية طويلة التوترات في التركيز على هذه التكتيكات التي تُنشر من قبل توجهات سياسية مختلفة.

وفي سياق مناقشته للنشطاء الهنود، يعد بريم كومار فيجايان، الحركات الطلابية أنها حركة يسارية تقدمية وذات طابع رجعي ومحافظ في آن واحد. وحسب وصفه أن هؤلاء الطلاب عادة يتصفون بالجموح والعناد. وعلى الرغم من أن الفصل مليء غالبًا بتنظيرات المفاهيم المختلفة للتعليم العالي بدءًا من التسجيل والقبول إلى الإقصاء، إلا أن فيجايان تمكن من تقديم سرد تثقيفي لمعالم وتوترات التنظيمات الطلابية في الهند. وعلى نطاق آسيوي آخر، كتبت سارا ريموندو وكارلو ميخائيل عن علاقة مثيرة بين الرياضة والنشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ثم يناقشان التعليم العالي في الفلبين بين التعليم ما بعد الاستعمار والتعليم التحويلي. ويركزان على التوترات بين التعليم والتغييرات الاجتماعية، ويناقشان بعمق دور المنظمات النضالية الأكبر في التغييرات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

ويمكن النظر إلى مكان النضالات الجامعية التي تنادي بالعدالة الاجتماعية من خلال خطابات وممارسات القومية التي وُجدت في تقييم روزاليند هامبتون لحركة سيادة كيبيك وتقرير غولدن اوزكان للحركة الطلابية في تركيا. ولكوني من جزء آخر من العالم لم أكن أعرف شيئًا عن هذه الحركة إلا من أخبار الحركة التركية في عام 2016. كان الفصل غنيا بالمعلومات والأفكار المكتسبة بغض النظر عن كوني غير مهيأة لتحليل التعقيدات التي تم التنقيب عنها في هذا الموضوع.

 

 

يُعد النشاط السياسي الطلابي في أمريكا اللاتينية من الأمور الرائعة، حيث إنه لا يقتصر على طلاب الجامعات فقط بل حتى طلاب الثانوية يُشاركون في هذه النضالات. في أحد الفصول يناقش خافيير كامبوس مارتينيز وديانا أولفاريا المكاسب الاجتماعية والسياسية التي تحققت عن طريق التنظميات الجامعية السياسية في تشيلي، بالتركيز على الجيل الذي وُلد بعد نهاية الدكتاتورية في التسعينيات. وفي سياق مماثل، تناقش ألما مالدونادو وفانيا بانييلوس أستورغا الأحداث الأخيرة التي شهدتها المكسيك من قبل النشاط الطلابي، حيث تعطي هذه القصص نظرة ثاقبة على زمانية الحركات الطلابية كونها عملية طويلة ومستمرة مستفيدة من الحركات والأحداث التي تسبقها.

يذكر هذا الكتاب القضية الفلسطينية في فصلين ويتخذ جامعة سان فرانسيسكو بوصفها حالة، حيث تناقش رباب إبراهيم عبدالهادي وسليم شحادة الكثير من القضايا المتعلقة بالنشاط السياسي في كل أنحاء فلسطين. يغطي هذا الفصل قضايا العنصرية والطائفية والخصخصة وكذلك إعادة هيكلة التعليم العالي وتحويله لشركات لمحاولة تنظيم المساحات الجامعية وقمع الأصوات. وينص الفصل على أن الحركات الطلابية الجامعية هي عمل مستمر ومتواصل بالرغم من وجود ما يمكن أن نطلق عليه "الانتصارات الصغيرة".

كما أن لينا مرعي ورولا أبو دوح ركزتا في فصل آخر على القضية المعقدة والمتمثلة في التوترات بين نضال الطبقية وصراع التحرر الوطني في الحركة الطلابية الفلسطينية ممثلة في جامعة بيرزيت، فلسطين. بالنسبة لي كانت قراءة الفصل صعبة نوعًا ما خاصة بوجود الكثير من الأسماء والأحداث لكن تظل قراءة رائعة.

وأخيرًا، هناك فصلان حول أفريقيا، حين قراءتي للمجلد تعمدت عدم النظر للمحتوى مباشرة حتى أشعر بقليل من التشويق حول الفصل الجديد الذي يكشف بلدًا جديدًا. بعد إنهائي عشرة فصول بدأت أشعر بغياب الخطاب الأفريقي، ولكن ظهر هذا الفصل الذي ناقشه آشر جامدزي ولي آن نايدو ويبدأ بالحركة الشهيرة لإسقاط تمثال رودس Rhodes Must Fall ويستمر الفصل بمناقشة التحيز العنصري للنشر الأكاديمي والإنتاجات المعرفية. هناك نقاش مثير للإعجاب حول مشروع يتمحور حول المنهجية الكولونيالية decolonial methodology لتسجيل الحركة الاجتماعية ونشرها والتي تستند على مجموعة من النضالات عبر جنوب أفريقيا وقضايا محلية لتقديم مشروع تربوي وكما قال أحد النشطاء "النشر هو أسلوب النشاط الاجتماعي".

وفي الفصل الذي يليه تكتب رودا نافزيجر وكريستا سترونج عن أشكال كفاح الطلاب في نيجيريا، وكالكثير من المستعمرات السابقة، لعب الطلاب النيجيريون دورًا تاريخيًا حاسمًا في النضال الاجتماعي، وكما يسميهم المؤلفان "النخبة المتنازع عليها". ويعيش الطلاب حالة من التناقض حيث من المفترض أن يروجوا لمعايير وثقافة مجتمعهم ومن جهة آخرى أن يبادروا بتغيير الظروف السائدة. وتضع هذه المعضلة الطلاب في خلاف دائم مع الدولة. وتعد نضالات الطلاب النيجيريين تصويرًا لهذا التوتر منذ أن حاولت الحكومات المتعاقبة قمع الحركات الطلابية ولكن هناك استمرار لبعض الهيئات الطلابية التي تحافظ على درجة استقرارها، ومن نتائجها الإيجابية أن الطالب النيجيري لا يزال ينضم لمثل هذا التنظيمات الطلابية المعقدة.

من أحد الأسباب التي دفعتني لمراجعة هذا الكتاب هو مشاركتي في السلك التعليمي والحركات الطلابية على مر السنين، وكانت مفاجأة رائعة أن أجد هذا العمق في هذه الاستكشافات التي تناولت مجموعة واسعة من الاتجاهات السياسية التي تمت مناقشتها من كل قارات العالم، باستثناء أستراليا. إن هذا العمل المنسق يتضمن ثراءً لا يمكن إنكاره بسبب النصوص المتنوعة التي تغطي أعمالا مختلفة وهو بالضبط نوع من التحليل الجماعي الذي نحتاجه لفهم النشاط الجامعي المعاصر.

للكاتبة: شريا أورفاشي باحثة في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية في مومباي وتكتب في علم اجتماع التعليم العالي وعلم اجتماع الهوية والسياسة

تحرير: عزيز شودري وسليم فالي

ترجمة: فاخرة يحيى

المصدر:

صحيفة بلوتو 2020 

https://blogs.lse.ac.uk/impactofsocialsciences/2021/03/13/book-review-the-university-and-social-justice-struggles-across-the-globe-edited-by-aziz-choudry-and-salim-vally/

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي