اقتصاد الخوف

 

في تقرير مصور يتحدث أندرو لو، الخبير الاقتصادي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن الاقتصاد والجائحة مقارنا إياها بأزمات إقتصادية وصحية أخرى:

في فبراير 2020، بدأنا نرى آثار الوباء هنا في الولايات المتحدة، حيث تراجعت أسواق الأسهم، وكنا قلقلين للغاية بشأن الإصابة بكوفيد 19، لذلك وضعنا الاقتصاد فيما يُشبه الغيبوبة المستحثة طبيًا. هذا الأمر أنقذ عددًا كبيرًا من الأرواح ولكن على حساب فقد مبلغ كبير من الدخل، فقد أغلقنا الأسواق الاقتصادية لفترة من الوقت ولم يتعافَ الاقتصاد بعد بشكل كامل، كيف يكون أداء سوق الأوراق المالية جيدًا في 2020 وقويًا في 2021؟

"إن واحدة من أكبر المشكلات في التعامل مع جائحة كوفيد 19 كان الخوف، وهذا أحد الأسباب التي دفعتنا في منتصف فبراير وحتى شهر مايو إلى إحداث تفكيك هائل، مع انخفاض الأسواق وارتفاعها، ارتفع ما يُسمى "مؤشر الخوف" أو مؤشر VIX (fear index) وهو مقياس للتقلبات الضمنية في خيارات مؤشرات سوق الأسهم. حين وضعنا الاقتصاد فيما يُشبه الغيبوبة المستحثة طبيًا، أدى إلى خسارة هائلة في الناتج المحلي الإجمالي، لكن في الوقت نفسه كان أداء سوق الأسهم جيدًا بالفعل، ويتساءل الكثير من الناس عن ذلك، حسنًا الجواب يتعلق بحقيقة أن هناك فرقًا كبيرًا بين الأزمة المالية وأزمة الصحة العامة.

كان العالم في عام 2008 في أزمة مالية حقيقية، وكان مصدر المشاكل يكمن في القطاع المالي، لذلك تم تخصيص كميات هائلة من الموارد لدعم هذا القطاع، للتعامل مع البنوك الضعيفة والمقبلة على الانهيار وكذلك شركات التأمين وأجزاء أخرى من هذا النظام. إن ما نمر به اليوم ليس أزمة مالية، وإنما أزمة صحية عامة لها آثار مالية. إن فقدان الثقة في النظام المالي لا يمثل مشكلة كبيرة اليوم كما كان في عام 2008، وهذا من أحد الأسباب التي جعلت سوق الأسهم يتعافى بسرعة أكبر بكثير هذه المرة مما كان عليه في 2008، ففقدان الوظائف والوقت الذي استغرقته للعودة إلى مستويات التوظيف كان أصعب مما سنواجهه في 2020 و 2021، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد رابحون وخاسرون من هذه الأزمة، بالتأكيد هناك العديد من الشركات التي خسرت للأبد، ولكن الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من الاقتصاد لا يزال قويًا جدًا، فحتى الآن يبدو أن السياسات المترتبة على الجائحة كانت فعالة نسبيًا على الجانب المالي.

وسواء كانت الأنظمة ناجحة أم لا في التعامل مع الأفراد الذين يحتاجون حقًا للمساعدة - العاطلين عن العمل والذين يواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم بسبب الوباء - يبقى أنه يجب أن يلاحظهم النظام. لذلك أعتقد أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتأكد من أن الأفراد الأكثر تضررًا قادرون على التعامل معه. ولكن من وجهة نظر النظام المالي، يبدو الوضع مستقرًا نسبيًا ومرنًا.



إن اللحظة التي نبدأ فيها بالخوف من المستقبل، هي اللحظة التي نفقد فيها الثقة والاعتماد على النظام، فيبدأ الاقتصاد بالانهيار. يمكننا أن نتعلم الكثير مما نمر به اليوم، وبالعودة بالزمن إلى عام 1918 ودراسة جائحة الانفلونزا في ذلك العام، حيث لم يكن هناك الكثير من الخوف بشأن جائحة 1918؛ لأنه لم يتم الإعلان عنها. في ذلك العام، كانت العديد من الدول في خضم الحرب العالمية الأولى، وبما في ذلك الولايات المتحدة، وبسبب التعتيم الإعلامي لم يرغبوا في الإعلان عن الوباء لكي لا يُضعفوا معنويات القوات، وفي الواقع حين أُعلن الانتصار في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1918، كانت هناك احتفالات هائلة في كل الشوارع، حشود كبيرة من الناس يعانقون ويقبلون بعضهم البعض، يمكنك تخيل مدى انتشار الانفلونزا بعد ذلك اليوم، حيث في أكتوبر من ذلك العام – فقط خلال شهر واحد- فقدت الولايات المتحدة 195 ألف شخص.

كانت جائحة 1918 حالة لم يطغَ عليها الخوف، لأن الناس ببساطة لم يعرفوا عنها، ولم تكتب وسائل الإعلام عنها، وبذلك استمر النمو الاقتصادي في الارتفاع بلا هوادة في ذلك الوقت، وكان أداء سوق الأسهم جيدًا بشكل كبير من عام 1918 إلى عام 1929. بشكل عام كان التأثير الاقتصادي مؤقتًا نسبيًا، فبعد عام أو عامين من الجائحة شهد العالم انتعاشًا اقتصاديًا ثم نموًا هائلًا على مدار السنوات العشر التالية. بينما إذا نظرنا إلى ما نمر به اليوم مع جائحة كوفيد 19 فإننا نتعامل مع الوضع بشكل مختلف جدًا.

نعلم أن علماء الأحياء التطوريين وعلماء البيئة يتحدثون غالبًا عن نظرية التوازن النقطي/المتقطع(Punctuated Equilibrium )، حيث تتعرض البيئة لصدمة هائلة، يصطدم كويكب بالأرض، ويُطلق سحابة كبيرة من الغبار، ويحجب أشعة الشمس، مما يقضي على مصادر الغذاء المتنوعة، وبعد فترة زمنية قصيرة جدًا في المقاييس الزمنية التطورية، يحدث انقراض جماعي. لكن بعد فترات الانقراض تلك، تظهر مجموعة كاملة من الأنواع- وهو ما يعرف بالتشعب التكيفي(Adaptive Radiation). ونرى اليوم الشيء ذاته، حيث دمر كوفيد 19 بلا شك العديد من الشركات، حيث أصبحنا نعلم نقاط الضعف المختلفة التي جعلت هذه الشركات تفلس، مما يعني أننا الآن أصبحنا نفهم طريقة التعامل مع نقاط الضعف تلك لتكييفها مع كل الظروف وبناء اقتصاد أكثر قوة ومرونة.

لقد تلاشى الضعيف، و سيستمر القوي الصامد وينجح، وأعتقد أن العبارة القديمة "ما لا يقتلك، يجعلك أقوى" تنطبق على الاقتصاد في أعقاب هذا الوباء. وفي اعتقادي أن العقد الذي يلي هذه الجائحة سيكون واحدًا من أكثر العقود نموًا وابتكارًا، حيث يمكن أن يحدث "تشعب تكيفي" لجميع الأنواع الاقتصادية الجديدة. مع ذلك على المرء أن يكون حذرًا، حيث ستُزرع مع هذا النمو في العصر الذهبي الجديد، أزمة مالية مقبلة، إذ في الوقت الذي تجتمع فيه حرية الإرادة والأنظمة الرأسمالية بلا شك سيواجه العالم أزمات مالية. وقد لا نكون قادرين على منع حدوث أزمة مقبلة، لكن بالتأكيد يمكننا فهم الظروف التي ستؤدي إليها، ويمكننا وضع مؤشرات تحذيرية لحماية الشرائح السكانية والتي ستكون أكثر عرضة لعواقبها."

 

ترجمة: فاخرة يحيى.

المصدر:

Pandemic economics: The economy of fear

https://www.youtube.com/watch?v=hIZ9YrKfQJc

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي