أول رمضان في ذاكرتهم (1)



الصحفي العراقي حيدر الجابر
#أول_رمضان_في_ذاكرتهم




صٌمتُ أول يوم من شهر رمضان المبارك حين كان الظلام يخيم على العراق. كان ذلك آخر يوم من الشهر الفضيل عام 1991، بعد أسابيع من إغلاق كتاب حرب الخليج الثانية. انهارت منظومة الكهرباء وكان الماء الصالح للشرب مادة نادرة، وعموما كان الأمل منوطا باتفاق الدول العظمى على إنهاء هذه الكارثة بأسرع وقت، وهو الحلم الذي لم يتحقق.
في آخر يوم من شهر رمضان عام 1410 هـ قررت أن أصوم "تجريبيا"، في حين سينطلق الصوم الرسمي العام المقبل، وفعلا وجدت دعما متحفظا من أمي، فيما التزم أبي (رحمه الله) الحياد السلبي، مقررا أن عودي لن يتحمل نهارا كاملا من الجوع والعطش.

ولم يكن هناك جوع أو عطش، كانت هناك سعادة، وثقة، سعادة بانضمامي إلى ملايين المسلمين، وثقة بأني قادر على مواجهة الصعاب.

وكانت مائدة الإفطار فقيرة بالنسبة لعائلة من الطبقة المتوسطة، التي بدأت تواجه الحظر المفروض على البلد بإمكانياتها الذاتية، فقد كان كل شيء تقريبا يصنع في المنزل، وساعد والدتي جذورها الريفية، التي أثبتت فائدتها في أيام المحنة. كانت تصنع الطعام والخبز وما تيسر من عصير أو لبن بأقل تكلفة. ومع ذلك كان شيء من الطمأنينة يضفي التفاؤل على هذه العائلة.

ما يميز أول تجربة صوم لي أن التلفاز كان مفقودا بسبب سوء البث وغياب الكهرباء، ولذلك، كان المذياع الجهاز المدلل، حيث يجب توفير بطاريات كافية، وأيضاً كان حكرا على مزاج رب الأسرة الذي يهتم بالأخبار من إذاعات غربية حصرا.
صوت المرحوم عبد الباسط عبد الصمد هو أبرز ما استقر في ذاكرتي، فقد كانت التلاوة المرتلة التي تسبق مدفع الإفطار هي تقليد دأب عليه الإعلام العراقي، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي