أول رمضان في ذاكرتهم (3)




#أول_رمضان_في_ذاكرتهم
الفنان العماني صالح بن محفوظ القاسمي

ذكريات لا تُنسى عشتها في منطقتي المطلة على ميناء السلطان قابوس حيث ولدت، فكل شيء فيها يثير الخيال: زرقة البحر ورائحته، طفل أو صبي يتراكض هنا وهناك، السفن الشراعية، قوارب الصيادين التي تمخر خليج مطرح الحيوي والمكتظ بحركة الملاحة في مشاهد مألوفة. هناك كنا نرى قوارب الصيد تقف عند مدخل سوق مطرح تحمل العبرية (الركاب) من النساء والرجال كـ(تاكسي) بحري إلى مسقط وريام والدوحة ويتي وضباب وتصل إلى قريات أيضا، تحمل المؤن إلى تلك الديار، وأنا بفكري الصغير وقد سيطر عليه التأمل والخيال في تلك المرحلة كنت أشعر بفخر الانتماء إلى هذه المنطقة الحيوية. سوق مطرح هو الآخر شريان الحياة لعمان كلها؛ فما يزال عقلي يختزن الكثير من صور تلك المرحلة التي كنا نقبلها بكل بساطتها ًوعدم تنظيمها وفوضى الباعة المتجولين في سوق الحراج، فلم يكن مخجلا ولا يجرح مشاعرنا أن نبتاع منه بضاعة قديمة أو مستعملة، بل إنها قمة المتعة 
.عندما يدخل علينا أبي وفي يده راديو قديم أو طاولة خشبية أو زنوبة (نعال) الخ

في شهر رمضان يمتاز السوق ببعض الأكلات وإن كانت أغلبها متوفرة على مدار العام، وبحكم أنني الابن البكر كنت أذهب إلى السوق لشراء متطلبات مائدة الإفطار من الفواكه والخبز واللقيمات التي لم تعتد عليها النساء بعد في ذلك الوقت، وعندما بلغت سن العاشرة قررت العائلة أن أصوم. 

ويبدأ الصوم من صلاة التراويح التي لم أفوّتها قط؛ لأن الإمام كان سريعا وينهيها في أقل من نصف ساعة. كانت متعة بالنسبة لي أن أصاحب والدي للصلاة في المسجد. عقب ذلك تبدأ وجبة العشاء، وكنت أشعر بقيمتي كإنسان بين أبي وأمي اللذين يفتخران بي فرحَين. ومع موعد السحور الذي يحين عند سماع طبل المسحراتي كنت أتوسط السفرة البسيطة لتبدأ مرحلة جديدة لا يُكتب لها النجاح غالبا؛ إذ كنت أفطر عند الساعة الرابعة عصرا استسلاما وانهزاما أمام العطش والجوع. ويمر الشهر علي هكذا بين صبر وانهزام. أما في سن الحادية عشرة التزمت الصوم ولم يعد هناك مبرر للانهزام، لأن أولاد الجيران كانوا يتمون صومهم فيتفاخر بهم أهلهم فرحا وسعادة.

لعلها مناسبة لأعبّر عن شعوري بالرغبة في الاعتذار لأبي يرحمه الله؛ فقد كانت لي خياناتي الصغيرة عندما كنت في الحادية عشرة، خصوصا في أوقات بعد الظهر/ وقت القيلولة؛ فقد كنت أشرب الماء وأمثّل الصوم وأمسك حتى موعد الإفطار إلى أن تعودت ولله الحمد.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي