الكتابات الأكاديمية والقارئ العادي

 


لطالما دارت نقاشات حول التعقيد غير الضروري في الكتابات الأكاديمية. يفسر البروفيسور ستيفن بينكر- أستاذ علم النفس بجامعة هارفرد ومؤلف The Sense of Style­ - في مقال قُرِئ على نطاق واسع في صحيفة The Chronicle of Higher Education لمَ تُعد الكتابات الأكاديمية كتابات "مُنمقة وثقيلة وجامدة وفظة وغامضة حيث يكاد يستحيل فهمها وغير ممتعة للقراءة".

في الآونة الأخيرة، اكتشف جيف كامي - أستاذ علم الأحياء بالجامعة العبرية في القدس - مدى الصعوبة التي يواجهها المؤلفون الأكاديميون عند محاولتهم الكتابة للعامة من الجماهير، واقترح أن تتضمن برامج الكتابة دورةً ليلية في الكتابة الإبداعية الواقعية خاصة للأكاديميين.

ونعتقد أن فكرة كتابة الواقع الإبداعية ليست فكرة سيئة، ولكننا لا نتفق مع فكر كامي بأن الأكاديميين يحتاجون دورات ليلية لهذا الشأن. نقترح شيئًا أبسط من ذلك، يحتاج الأكاديميون فقط إلى أن يكتبوا ثم يتم تحرير ما كتبوا ثم يتم عرضه على العامة وقياس مدى قراءتهم لمثل هذا المحتوى. بهذه العملية لن يتعلم الأكاديميون طريقة شرح أنفسهم بشكل واضح فحسب وإنما يصبحون بذلك علماء بشكل أفضل.



الفوائد:

بالرغم من أننا نكتب للعامة إلا أننا نختلف في وجهات النظر، فأحدنا يكتب منذ سنوات والآخر بدأ في الكتابة هذه السنة. نحن لا نقول بأننا كُتّاب رائعون إلا أن الكتابة للجمهور العادي  وأخذ ملاحظاتهم والتغذية الراجعة من المحررين ساعدنا في تحسين كتاباتنا وجعلها أوضح للقُرّاء.

تعلمنا بأنه إن لم تكن كتاباتنا واضحة وجذابة فلن يقرأ لنا لا المحرورون ولا الجمهور العادي، وهذا يعلمنا باستمرار كيف نُحسّن كتاباتنا في المرات المُقبلة.

إن الكتابة للعامة حسّنت أيضًا مهارات الكتابة الأكاديمية وقدرات التفكير العلمي، وذلك لأن الخطوة الأولى في تحسين الكتابة الأكاديمية هي تعلّم تقليل رطانة اللغة التي يستخدمها الأكاديمي وشرح المفاهيم بشكل أوضح مما يجبرنا على تجريد الفكر وإيصاله إلى جوهره المطلق. ووفقًا لذلك، فإن هذه العملية لا تساعد على تحسين الكتابة فحسب وإنما تصفّي طريقة التفكير في حلول المشاكل العلمية.

فعلى سبيل المثال، حين بدأنا مؤخرًا كتابة مقال لمراجعة أكاديمية معًا، ركزنا مبدئيًا على (كيف نُعِدّ نصًا يناسب القارئ العادي مبنيا على المراجعة الأكاديمية)، وقد ساعد هذا على تغيير شكل التركيبة الأدبية، ما أجبرنا على كتابة المراجعة بطريقة أوضح وأكثر منطقية.

إضافة إلى ذلك، ونظرًا لأن الكتابة العامة تُشرك الجمهور والزملاء الأكاديميين، فقد وجدنا أن تعليقات العامة يمكن أن تكون شكلًا من أشكال "مراجعة الأقران"، وقد تطورت الكثير من الأفكار البحثية لأوراق أكاديمية من مقالاتنا المنشورة للعامة بفضل البيانات والآراء المولَدة من عامة الناس (التعهيد الجماعي). مثالًا على ذلك، أدت مقالة نشرتها مجلة Psychology Today إلى ردود فعل من المحررين وغيرهم حول أهمية دراسة الأكاديميين المؤثرين، فنتجت عن ذلك سلسلة من الأوراق البحثية التي نوقشت لاحقًا في صحيفة Washington Post.

يمكن لمثل هذه المشاركة العامة أن تجلب فوائد أخرى للمهنة، فعلى سبيل المثال سافر(ميلر) إلى أمستردام في الشهر الماضي لإلقاء خطاب حول الجنس والعلوم، وقد اقترحه منظمو المؤتمر بسبب الاهتمام الذي تلقاه من الصحافة الشعبية بعد دراسة دولية قدمها حول الصور النمطية للجندرية والعلوم. وبدأ بالاهتمام بالصحافة الشعبية عن طريق الاتصال بالمكتب الصحفي لجامعته والعمل عن كثب مع كتّابه لصياغة مقال صحفي بشكل تعاوني. في كلتا الحالتين أتاحت لنا المشاركة العامة فرصًا للتواصل مع الأكاديميين وغيرهم داخل مجالاتنا وخارجها، وحدث هذا فقط بعد قراءة الناس المقالات العامة التي نشرناها.

بكل بساطة، تتطلب الكتابة للجمهور تحسين مهارات الفرد، وهذا ما ينبغي فعله تماما لكتابة مقال أكاديمي أو اقتراح، نعم هناك تكلفة عندما تبدأ في أمر جديد، ولكنها ليست مضيعة للوقت كما يعتقد العديد من الأكاديميين.

في الواقع كلٌّ منا كان حذرًا للغاية عندما بدأنا في الكتابة للجمهور العادي لأول مرة، بل كنا متشككين من جدوى الأمر لما فيه من هدر للوقت، ولكن في وقت سابق من هذا العام تعلم (ميلر) مدى سهولة هذه العملية. لقد عَلِم (ميلر) عن دراسة مثيرة للجدل أراد أن يضعها في نطاق أوسع لعامة الناس، لذلك قدم عرضًا من 199 كلمة إلى The Conversation الذي يشجع الأكاديميين على الكتابة لعامة الناس، فورده رد من أحد المحررين في صباح اليوم التالي مقدمًا له مشورة بتنظيم المقالة وكتابتها بشكل أوضح.

استغرق المقال الذي يحتوي على 765 كلمة يومًا واحدًا للصياغة، ويومًا آخر للتنقيح من قبل المحرر- بسرعة البرق مقارنة بالمجلات الأكاديمية. ثم أعادت صحيفة Quartz  نشر المقال الذي بلغ الآن عدد قرائه 25 ألف قارئ. ولنتأمل هنا كيف أن أغلب المقالات الأكاديمية لا يقرأها إلا حُفنة من الناس. نحن الآن نؤمن بأن الكتابة لعامة الناس تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوياتنا كعلماء.

 

التفاعل مع الجمهور لتحقيق تأثير اجتماعي.

بعد أن ناقشنا بعض الفوائد المترتبة على الكتابة لعامة الناس ولماذا نعتقد أنه لابد للأكاديميين من فعل ذلك، فإننا نختتم هذه المناقشة بتقديم أحد المكونات البنيوية المهمة في الحل.

زعمت جانيت نابولتانو رئيسة جامعة كاليفورنيا مؤخرًا بأن هناك حاجة للمزيد من العلماء في الساحة العامة للتعبير عن أهمية العلم، لكنها لم تذكر الحاجة إلى المزيد من العلماء في الساحة العامة ليصبحوا كُتّابًا أكثر وضوحًا، وكما قلنا سابقًا يمكن أن يجلب هذا الوضوح منافع أخرى مباشرة وغير مباشرة للعلم والحياة المهنية للعلماء.

حسنًا الأمر بسيط حقًا، هناك القليل من الحوافز المضمنة في نظام المكافآت والترويج، وهذا أمر ذكره ستيفن بينكر سابقًا، ربما يحتاج المسؤولون إلى تضمين المشاركة العامة بشكل يوازي التدريس والمشورة والنشر.

يدرك العديد من الأكاديميين بمن فيهم نحن، أنه إذا أردنا الوصول إلى الأشخاص الذين يستفيدون حقًا من أبحاثنا، فعلينا النزول من أبراجنا العاجية، نحن الأكاديميين نحتاج حقًا إلى الدخول في النقاشات التي يشارك فيها بقية العالم كل يوم.

للكاتبين:  جونثان واي- ديفيد ميلر

ترجمة: فاخرة يحيى

https://theconversation.com/heres-why-academics-should-write-for-the-public-50874


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي