أثر الفنون على المجتمع العماني

كتب: أسماء القطيبي

 

حين يأتي ذكر باريس، فلا بد أن يتبعه الحديث عن صالات عرض الفنون، والعروض الحية في الأزقة والشوارع، والسينما والمهرجانات التي يفد إليها المبدعون من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام، جميع هذه المشاهد أضفت على العاصمة الفرنسية طابع الرومانسية والجنون. وعلى غرارها شيّدت مدن عدة لتكون وجهة للإبداع والمبدعين في مجالات الفنون كافة، بينما حاولت مدن أخرى أن تخفف من حدة جدرانها الإسمنتية بإنشاء دور للفنون جنبا إلى جنب مع مبانيها الحكومية وشركاتها التجارية. ولعل مسقط إحدى هذه المدن التي تنبهت إلى ندرة وجودها في السنوات القليلة وبدأت تُنبت في قلبها دورا للفن، فأنشئت عام 2011 دار الأوبرا السلطانية العمانية بمباركة من السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، التي تقدم عبر مواسم سنوية حفلات أوبرا وليالي غنائية وموسيقية، وعروضا أدائية عالمية بالإضافة لمعارض فنية. وتوالت بعدها دور الفنون فأنشئ على سبيل المثال بجهد شخصي جاليري عالية وهو جاليري تملكه الفنانة العمانية عالية الفارسي إلى جانب دور سابقة مثل ستال جاليري وجاليري سارة وجاليري غالية وبيت مزنة وغيرها. 

 


في هذا الاستطلاع نسعى إلى معرفة أثر وجود مثل هذه الأماكن على ذائقة الناس في عمان. إذ قام المرصد الثقافي بتوزيع استبانة شملت خمسين شخصا عمانيا من الجنسين في الفئة العمرية بين 20 إلى 40 سنة للتعرف على توجهاتهم فيما يخص تفاعلهم مع الحركة الفنية في عمان. 


وبناء على تحليل البيانات، فإن عدد الذين حضروا عرضا فنيا أو أكثر في الأوبرا السلطانية 53% أي تقريبا نصف المشاركين في الاستبانة. وحين سألنا المشاركين جميعا عما إذا  كانوا سيحضرون أمسية في الأوبرا لو تسنى لهم الحصول على تذكرة مجانية فإن ما نسبتهم 86% أجابوا بنعم. ولعل هذا الجواب يعطي لمحة عن سبب عدم حضور الكثيرين لعروض الأوبرا، وهو ارتفاع أسعار التذاكر لبعض العروض التي تناسب فئة محددة من الناس كما ذكر 93% من المستطلعين. بينما ذكر 40% أن المحاذير الدينية سبب آخر لعدم حضورهم العروض. 


كما سأل الاستطلاع العينة المشاركة عما إذا كانوا قد حضروا افتتاحا لمعرض فني لمرة واحدة على الأقل فأجاب 60% منهم بالنفي، لكنهم لا يمانعون بالتوقف لمشاهدة معرض فني صادفوه في أحد المراكز التجارية مثلا. ولعل ذلك عائد إلى الأجواء الرسمية التي تصاحب حفلات الافتتاح، والازدحام الذي قد يشكل عائقا يحول دون التمعن في المعروضات. 

وبغية التعرف على مزاج الأشخاص المشاركين، سأل المرصد ما إذا كانت المقاهي التي تجلب فرقا موسيقية للعزف تستهوي المشاركين أكثر من غيرها فأجاب 66% منهم بأنهم لا يفضلون هذا النوع من المقاهي ويميلون للمقاهي الأكثر هدوءا بموسيقى كلاسيكية في الخلفية أو بدونها لكون المقهى لديهم إما مكانا للعمل أو لتبادل الأحاديث. 

 

ويعتقد 87% من الاشخاص أن الفنون عموما تحسن ذائقة الشخص وتتحكم في مزاجه بشكل ملحوظ، بينما 13% لا يولون الفنون تلك الأهمية ويرون أن أمورا أخرى كالمناسبات الاجتماعية والسفر تشكل فارقا أكبر لدى الفرد وتوسع من مداركه. 

 

ويتابع ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع النشاطات الفنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنسبة نفسها تقريبا تتوقع انتشارا أوسع لدور الفنون في عمان خلال السنوات المقبلة. لكنهم يأملون ألا تكون الأنشطة الفنية حصرا على العاصمة مسقط وتتوسع بجهود حكومية ومؤسسات ثقافية خاصة إلى بقية المحافظات مع الحرص على الترويج لها بشكل جيد يصل للمهتمين. 

 

وعلى الرغم من صغر العينة التي شملها الاستطلاع إلا أن النتائج تشير إلى رغبة الأشخاص في وجود  أكبر وأكثر كثافة لدور الفنون بما يصاحبها من فعاليات وأنشطة لتكون خيارا متاحا دائما للأسر والأفراد، خاصة مع توجه الدول المجاورة لتكون وجهات جذب ثقافي وفني عالمي . لذا نأمل أن تكون السلطنة – بما تملكه من مقومات - هي الأخرى وجهة للمواطنين والمقيمين والسياح المهتمين بالفنون بكافة أشكالها. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي