اللورد دوفين.. تاجر الأعمال الفنية غير المسبوق، ومساهماته في نشر الفن عبر القارات

 
كتبته: ليلى النجار
ترجمته إلى العربية: فاخرة يحيى

على الرغم من أن منافسي جوزيف دوفين سبقوه في افتتاح صالاتهم الفنية في نيويورك، إلا أنه كان تاجرًا فنيًا استثنائيًا بين الولايات المتحدة وأوروبا. ستسلط هذه الورقة الضوء على فترة عمل جوزيف دوفين والتي فيها طور فترة مهمة في تاريخ تجميع المقتنيات الفنية.
حتى قبل ظهور شركة Duveen’s Brothers كان جويل دوفين مولعًا بمجموعة هايناور Hainauer الرائعة إلى أن اشتراها، وتؤكد هذه الصفقة على أن شركة Duveen’s Brothers ليست مجرد تجارة فنية ولكن أيضًا مؤسسة تطارد الفرص المربحة، حيث كان أوسكار هايناور يملك مجموعة Hainauer وبعد وفاته في عام 1894 باعت أرملته المجموعة إلى Duveen’s Brothers بمبلغ يقارب المليون دولار، وبعد فترة وجيزة باعت الشركة منحوتات المجموعة  لكل من جي بي مورجان وبي أي بي ويدنر وبنيامين ألتمان ب 5 ملايين دولار، وبعدها تولى رئاسة شركة العائلة ابن جويل دوفين، جوزيف دوفين وابن شقيقه هنري دوفين.
من العجيب كيف حافظ جوزيف دوفين على المقتنيات الفنية العائلية ووسعها بالنظر لمنافسيه، وفيما يلي عدة عوامل ساعدت دوفين على النجاح في هذا المجال:
-          تعتبر العلاقات الاجتماعية ضرورية في سوق الفن وكان دوفين حريصًا على الحفاظ على علاقات قوية مع العملاء الفعليين أو المحتملين. وتظهر المعلومات الواردة في ملفاته أن لديه أصدقاء من طبقات اجتماعية مختلفة مثل الخدم والسائقون ومدبرات المنازل الذين يزودونه بأخبار أصحاب هذه المنازل، مما مكنه من تتبع نواياهم في أي عملية شراء محتملة. وليس هذا وحسب، فقد حافظ دوفين على علاقاته داخل وخارج أوروبا مع مختلف الهيئات الرسمية مثل المتاحف والشركات والبنوك والمجلات أو حتى مع منافسيه. كان دوفين على دراية بأي عمل فني قيد البيع حيث يقال إنه في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى كان السفير البريطاني في ألمانيا أحد "مرشدي" دوفين في عمليات البيع المحتملة.
-          حنكة دوفين ساعدته على جذب جامعي القطع الفنية من خلال الإعلان عن عملائه المميزين والذين اشتروا الكثير من مجموعاته، حيث أصدر كاتلوجًا يحمل اسم العميل والقطعة الفنية المشتراة ومصدرها.
-          اعتمد دوفين على استراتيجية أخرى فعالة وهي الأسعار المرتفعة، حيث يدل السعر المرتفع على الجودة العالية ويحافظ على سمعة القطعة في سوق الفن، حيث آنذاك كان السعر المنخفض للقطعة الفنية يوحي أنها زائفة أو تم ترميمها أو تجميلها من خلال الحوادث التي شهدها سوق الفن في تلك الفترة.
 
 
مساهمات دوفين في عالم الفنون.
ساهم دوفين في نقل الفن الأوروبي إلى أمريكا بشكل كبير، ومن خلال تنقلاته المتكررة بين الولايات المتحدة ولندن تعرف على أسواق الفن، حيث قال مرة: "أوروبا غنية بالفن، وأمريكا تملك المال". وقد عمل دوفين على تحريك الأموال الأمريكية الخاملة عن طريق جلب الأعمال الفنية الكبرى من أوروبا إلى أمريكا أكثر مما فعل منافسيه، فمثلًا اللوحة الشهيرة لتوماس جنزبرة "Blue Boy" وهي الآن جزء من مجموعة هنتنغتون في كاليفورنيا، واللوحة الأخرى الشهيرة" أرسطو يتأمل تمثال نصفي لهوميروس" "Aristotle with a Bust of Homer" للفنان الهولندي رامبرانت والتي توجد الآن في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك.
 
والملفت للنظر أن دوفين قد تعرف على الصورة النمطية لرجل الأعمال الأمريكي في القرن التاسع عشر والذي يظهر في صورة تدمج الخوف والجشع في آن واحد، حيث كان الرجل الأمريكي غير واثق وواضح في ما يرتبط بالجانب الثقافي ومع ذلك كان يبحث عما يميزه ويُبقي اسمه، استفاد دوفين من هذه النقطة ببراعته وخبرته وفطنته، وقدم فكرة اقتناء أعمال فنية فريدة لهواة جمع التحف الأمريكيين، حتى يتمكنوا من عرضها للجمهور أو توريثها للمتاحف وبذلك تستمر أسماؤهم بمرور الوقت.
نتيجة لذلك، أُنشئت المتاحف في أوائل القرن العشرين والتي تحوي العديد من اللوحات الفنية الفريدة مثل:
 مجموعة إيزابيلا ستيوارت غاردنز قلعة فينواي في بوسطن، المجموعة المكررة لهنري كلاي فريك في Fifth Avenue بنيويورك، و The Collis و  H.E. Huntington في مكتبة ومتحف هنتنغتون، ومجموعات نُقلت للمتاحف مثل المعرض الوطني في واشنطن الذي أسسه أندرو ميلون ومتحف متروبوليتان أسسه وليام راندولف هيرست صاحب منزل سان سيمون.
كهذه الأسماء وغيرها تعاملت مع دوفين للحصول على أعمال أوروبية مميزة ويتم الآن تخليد أسمائهم في المتاحف التي أسسوها، وتحولت هذه الأعمال من ممتلكات خاصة إلى أن تكون متاحة لعامة الناس. إضافة للمساهمات المذكورة، تبرع دوفين بمبلغ ضخم لمعرض لندن الوطني والمتحف البريطاني ومعرض تيت، كما أهدى دوفين The Duveen Wing للمتحف البريطاني والتي كانت ل Elgin Marbles في نهاية حياته، ومن المعتقد أن دوفين كان يسعى لتوفير قطعة ذات جودة يتم تخليدها وظهر ذلك في كونه نموذجًا خيرًا للعديد من عملائه ولسنوات عديدة.

 


 Figure 1The Blue Boy, (1770) by Thomas Gainsborough (1727-1788) oil on canvas (Huntington.org, 2018)















Figure 2Aristotle with a Bust of Homer. Rembrandt 1653. The Met Fifth Avenue (Metmuseum.org, 2018)



دوفين وتأثيره على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة

في القرن الثامن عشر كانت العائلات حديثة الثراء تسعى لمواكبة أسلوب الحياة الأرستقراطي في انجلترا وأوروبا وآنذاك كان الاقتصاد مزدهرًا خاصة في مناطق انتاج الحبوب، حيث اندفعت هذه العائلات إلى امتلاك الأعمال الفنية كجزء من أسلوب حياة العائلات الأرستقراطية، أولئك الذين جمعوا الأعمال الفنية لقرون أو وروثوها من أجدادهم. لكن هذا الحال لم يدم طويلًا. حيث كانت تعتمد الكثير من العائلات الإنجليزية على أراضيها المنتجة للحبوب، لكن الانفتاح على العالم الآخر مثل آسيا والبرازيل قضى على الاحتكار الزراعي في انجلترا، مما أدى إلى انخفاض الانتاج الزراعي وبالتالي خسائر اقتصادية كبيرة، أجبر هذا الوضع العائلات الإنجليزية لبيع ممتلكاتها الثمينة التي وروثتها لقرون، وشمل هذا المنحوتات ومجموعات اللوحات الفنية وحتى الآثار. ومن ناحية أخرى تواجدت المتاحف والمؤسسات الثقافية في الولايات المتحدة والتي تأسست من قبل العائلات الثرية حديثًا في أواخر القرن التاسع عشر، والذين دفعوا الملايين لامتلاك الفنون الأوروبية، والذين بمساعدة دوفين استطاعوا امتلاك قطع فنية فريدة، والمثير للاهتمام أن هذه المبالغ الضخمة التي تم انفاقها واستثمارها في الفن قد عادت بالفعل للولايات المتحدة بشكل غير مباشر من خلال وصولها للأراضي الأمريكية وجعلها لاحقًا متاحة للجمهور من كل أنحاء العالم، وقد ساهم دوفين في هذه النقلة الاقتصادية في الولايات المتحدة عن طريق استفادته من الانخفاض الاقتصادي الدراماتيكي في أوروبا ونقل روائع الفن الأوروبي إلى الولايات المتحدة.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي