مونديال قطر 2022، فرصة التعايش الذهبية – وجهة نظر شخصية


كتبه : أسماء عبدالله 



 (هلا فيكم ارحبوا) 

بهذه العبارة دعت قطر العالم بأسره لحضور أهم تجمع رياضي في العالم فرحُبت مساحتها الضيقة، ورحُب صدرها للقاصي والداني تماما كما رحُبت ذراعها كرما عربيا أصليا. وعلى مدى تسعة وعشرين يوما لعبت الفرق المشاركة أربع وستين مباراة في عدة ملاعب موزعة في العاصمة الدوحة جالبة معها جمهورها المٌخلص. ولعلي لا أبالغ في القول إن هذه هي أكثر المرات التي كان فيها الآخر أقرب وأكثر تواصلا من أي وقت مضى مع الحضارة العربية والإسلامية. وأقصد بالآخر كل أولئك الذين حملوا أفكارا مسبقة ومعلومات معلبة عن هذه الجهة من العالم ولم تتسنَ لهم الفرصة للاقتراب منها





استطاعت قطر أن تقدم الهوية العربية والإسلامية بطريقة راقية وأصيلة يستشعرها القادم منذ وصوله للمطار، حيث الترحاب والقهوة العربية الحاضرة كرمز للضيافة. بينما يمكن للمتجول في شوارعها سماع الأذان بأصوات عذبة، بل حتى أن بعض المساجد وضعت واجهات زجاجية يستطيع من خلالها المار رؤية المسلمين يؤدون فرائضهم. ولمن أراد أن يتعرف أكثر على الإسلام ومبادئه فبإمكانه مسح الباركود (المعرفة تقود إلى الفهم) في وسائل النقل التي توفر عدة لغات. تميز حفل الافتتاح بتأكيده على مبادئ السلم والتعارف في الإسلام، وأن استضافة دولة مسلمة للمونديال هو تجسيد لهذه المبادئ. كما كان قبول الآخر مشروط باحترامه للخطوط الحمراء في هوية المستضيف، وهي خطوط لا تؤذيه ولا تستنقص من احترامه


 

وكتجربة شخصية لوجودي قبل أيام من انطلاق المونديال في قطر إلى حين مغادرتي قبل أيام قليلة من المباراة النهائية، ومع احتكاكي بعدد كبير من المشجعين داخل الملاعب وخارجها، كانت الفكرة الأبرز في ذهني أن ما يحدث أكبر من أن يكون حدثا رياضيا، إنها الفرصة الأثمن لعيش التنوع والاحتفال بالاختلاف بعيدا عن الزيف الإعلامي والخطاب السياسي الموجه. كانت الحوارات متواصلة في كل مكان، وكان الكل متشوقا لاستغلال الحدث للتوصل إلى فهم أفضل ومعرفة أعمق. أجبت على أسئلة كثيرة حول لبس الحجاب والنقاب، وأسئلة أخرى عن وضع المرأة في مجتمعاتنا. وتحدثت عن بلدي مع كثيرين. أحدهم أسترالي قال إنه لا يعرف عن عمان سوى أن بها ناديا رياضيا رائعا هو نادي السيب، وآخر من مقيمي البلد قال إنه يخطط لزيارة صلالة برا الصيف القادم لكثر ما سمع عن جمالها وخضرتها. نشأت صدقة بيني وبين دونا البريطانية ومريم المغربية وخديجة القطرية وكان تجمعنا في (البيت السعودي) لمشاهدة مباراة لم يتسنَ لنا حضورها في المدرجات أشبه بتجمع عائلي لطيف يعقبه الخروج للتفرج على المسيرات، والالتقاء باللاعب رقم 12 معبرا عن فرحته بطرق عديدة، أو مشاهدة الألعاب النارية على كورنيش العاصمة





حين فازت الأرجنتين بالكأس احتفل معها عشاقها، في اللحظة التي كنت فيها أنا وكثيرون نحتفل بالمكاسب التي عكست هويتنا وثقافتنا وقضايانا، وكانت فلسطين تحتفل بالعلم الأكثر حضورا في جميع المباريات بلا استثناء. لم يكن ثمة خاسر لأن العالم بتنوعه عاش هذه التجربة الكرنفالية التي لا تنسى واقعا أو من خلال الشاشات التي نقلت الحدث لحظة بلحظة وقصة بعد قصة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في إدارة الكوارث

الجامعة والعدالة الاجتماعية: صراعات حول العالم

زمزم البلوشي .. فنانة عمانية برزت موهبتها في الغناء الشعبي